نقضي جزءاً كبيراً من حياتنا في محاولة نيل رضا الآخرين وكسب إعجابهم. نركض لاهثين خلف السراب، ظناً منا أن نور الشمس قريب. نسعى جاهدين لتلبية مطالب مَن نرجو محبتهم، غير أننا في نهاية المطاف لا نجد من حولنا سوى الهواء، سوى الفراغ بعدما ضاعت أغلى أيام العمر دون طائل.
صورة تتكرر مشاهدها في كل زمان ومكان، حيث ترى الكثير من الناس ينساقون خلف هذه الرغبة الملحة التي تدفعهم إلى الاستماتة في سبيل إسعاد من حولهم، حاملين في جعبتهم حلماً بيوم يجدون فيه الأحبة والأصدقاء من حولهم كسرب من الحمام الجميل.
هل تعيش مثل هذه الحالة؟ هل اختبرت مثل هذا الإحساس؟ لعلك واحد ممن أضاعوا سنين طويلة من حياتهم بحثاً عن الحب الخارجي، كراهب يفتش عن الحقيقة، وعن الجمال. لكن شتان بين من يغوص في أعماق الذات ليستخرج كنوز العالم، وبين من يحاول التنقيب عن تلك الكنوز في أعين الناس.
كل مرة تحاول فيها إرضاء أحدهم بأي وسيلة كانت، أنت في الواقع تخسر نفسك. كل مرة تسعى جاهداً لنيل إعجاب شخص يهمك أمره، لن تجد سوى التعاسة تطرق بابك! فما السبب في ذلك؟
إن الناس عموماً يحبون القوي المكتفي بذاته. لهذا، عندما تفرش الأرض بالأزاهير، وتمد البساط الأحمر ليمر عليه الآخرون؛ سيدركون أنك بحاجة لهم، وبأنك لا تقوى على العيش دونهم، الأمر الذي سيعطيهم مقاليد القوة والسطوة، في مقابل إحساسك بالضعف أمامهم.
تفشل معظم علاقات الحب لأسباب كثيرة على رأسها محاولة أحد الطرفين إرضاء الآخر على حساب نفسه. يظل يحاول ويحاول، يعطي ويضحي، بينما يبدأ الشريك في الاكتفاء بالمراقبة والاستقبال، إلى أن يمل الأخذ فيحزم حقائبه ويغادر.
نعم، لا تستغرب! ربما تظن أنك كلما أعطيت أكثر، ربحت قلوب الناس. لكن لا تنسَ المثل الذي يقول: «كل شيء زاد عن حده انقلب ضده». فعلى الرغم من روعة العطاء، إلا أن المغالاة فيه تعطي عكس النتيجة المتوقعة، ذلك أن الآخر لن يقدر لك كل تلك التضحيات التي تقدمها على طبق من ذهب، والوقت الذي تبذله من أجله على حساب نفسك وطموحاتك؛ بل سيعتبرك مع الأيام شخصاً فارغاً، لا هم لك في هذه الحياة سوى ملاحقته وتضييق الخناق عليه؛ سوى ابتزازه عاطفياً، والجلوس إليه ليغدق عليك بعضاً من محبته!
إذا قضيت حياتك بهذا الشكل، فحان الوقت لكي تتغير، آن الأوان لتصنع إنساناً جديداً يجتذب إليه محبة الناس دون أن يطلبها. هكذا يفعل الناجحون والأقوياء الذين لا يضحون بأوقاتهم الثمينة من أجل إرضاء أحد، ولا يبددون حياتهم في سبيل كسب إعجاب أحد؛ بل يستقطبون احترام الناس ومحبتهم من خلال عملهم الدؤوب، وقوتهم المتزامنة مع اكتفائهم الذاتي.
فلا تهتم لآراء الناس من حولك، ولا تلقِ بالاً لما يقولونه عنك. لأنك إن لم تفعل ذلك، فستدرك عما قريب أنك أهدرت أثمن لحظات العمر في تحسين صورتك أمام أعين لا تُبصر إلا ما تريد أن تراه.
لست مضطراً إلى تفسير المواقف، ولا إلى تقديم الأدلة والبراهين لتبرير الأقوال والتصرفات. مَن يعرفك جيداً سيفهمك كما أنت، ومن لا يعرفك سيخترع ألف علة وعلة ليسيء فهمك، ويخسرك إلى الأبد.
كن مستقلاً بذاتك غير محتاج إلى أحد، يتهافت عليك الناس. كن قوياً غير مكترث بأقاويل الآخرين وأحكامهم، وامضِ في طريقك دون أن تلتفت إلى الوراء حتى تحقق أحلامك. قدر قيمة الوقت فهو أغلى ما تملك، فلا تبدده في سبيل إرضاء شخص أو نيل إعجاب آخر. كن كما تحب أن تكون، ودع الكون يحبك كما أنت.