في ظل واقع تصدير الصور النمطية المشوهة عن قضايا الشرق الأوسط، وقضية فلسطين تحديدًا، والترويج أن الظالم هو المظلوم، وأن البريء هو الجاني (شيطنة الضحية)، وإقناع الضمير العالمي أنَّ أرواح خمسة من الصهاينة الإسرائيليين الغزاة أهم بكثير من أرواح المئات والآلاف من الشهداء في الجانب الفلسطيني (وأغلبهم أطفال أبرياء) مِمَّن ماتوا دفاعًا عن أرضهم وشرفهم وأرواحهم، وكذلك، في ظل التركيز المطلق الذي أولته الأنظمة العربية لدور الإعلام التقليدي والجديد (التابع والخاضع لها) في تحقيقه لهدف الوساطة بينه (بين الحكومة) وبين الشعب وتحقيقه لتثبيت الشرعية والمراقبة والتحكم، وبالتالي عدم الالتفات للبعد الدولي الخارجي، لاسيما إن كان هذا البعد متعلقًا بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.. في ظل كل ذلك بدأت المقاومة الفلسطينية الإلكترونية نشاطها شيئا فشيئًا كفاعل في المعركة، وكان ومازال هذا التفاعل المحلي الدولي تفاعلًا موسميًا، يُشعلُ فتيلة حدث جديد من الأحداث المستمرة على ساحة العراك الفلسطيني الإسرائيلي، وما أن يشتدَّ الوطيس ويُصعَّد الموقف وتبدأ المساعي للتهدئة والتفاوض؛ إلا ويُخمد ذلك الفتيل على الفور، وهو يخمد على رماد، فالواقع يُظهر أن التصعيد الإسرائيلي الفلسطيني يتوقف لبرهة من الزمن، فمنطق المفاوضات العقيم يتلخَّص في أن الفلسطينيين يُطالبون، والإسرائيليين يرفضون هذه المطالب، وينتهي التفاوض بوقف التصعيد وينتهي الأمر على ذلك في كل حين. وللوصول لنتائج حقيقية على أرض الميدان، لابُد أن ينتظم جيش المقاومة الإلكترونية وفقًا لاستراتيجيات مدروسة، متبنيًا نموذجًا من نماذج تعبئة الرأي العام، على أن يقوم بتنفيذها على مراحل زمنية طويلة ومستمرة، مستفيدًا من مستجدات الأحداث على الساحة الفلسطينية الإسرائيلية في صُنع إنتاج محتويات إعلامية تعزّز من هدف نشر الصورة الذهنية الحقيقية عن قضية الإنسان والأرض في فلسطين وتُقدم الحقيقة الخبرية للرأي العام العالمي بالشكل الصحيح غير المسيس المؤدلج. في المحصلة، فإن حُجَّتي في قوة تأثير جيش المقاومة الإلكترونية في نُصرة قضية فلسطين، معتمدة على إحدى نظريات الاتصال، وهي نظرية الاعتماد على وسائل الإعلامReliance on media theory والتي يُمكن تلخيص فكرتها الأساسية على النحو التالي: إن قدرة وسائل الاتصال على تحقيق قدر أكبر من التأثير المعرفي والعاطفي والسلوكي سوف تزداد عندما تقوم هذه الوسائل بوظائف نقل المعلومات بشكل مكثَّف ومميز، وهذا الاحتمال سوف تزيد قوته في حالة عدم استقرار بنائي في المجتمع بسبب الصراع والتغيير، بالإضافة إلى ذلك فإن فكرة تغيير سلوك ومعارف ووجدان الجمهور يمكن أن تصبح تأثيرًا مرتدًا لتغيير كل من المجتمع ووسائل الاتصال، وهذا هو معنى العلاقة الثلاثية بين وسائل الاتصال والجمهور والمجتمع.من الطبيعي جدًا أن نستشعر أنَّ قوة العُتاد الإسرائيلية أكبر بكثير من نظيرها في الجانب الفلسطيني، وهو على الصعيد المادي، على الأقل، أمرٌ حقيقيٌ جدًا، حيث التفوق العسكري والسياسي (لا انقسام في الجانب الإسرائيلي الصهيوني على عكس الجانب الفلسطيني، والإعلامي والتعليمي وغيره)، إلا أنَّ الأمر يبدو مخالفًا في الجانب المعنوي، حيث أكَّدت الكثير من الشواهد أنَّ قوى الداخل الإسرائيلية، على الصعيد المعنوي والنفسي، مهزوزة جدًا، فالأمة الإسرائيلية في قلب فلسطين المحتلة تشعُرُ بعدم الاستقرار ولا تجد لها مستقبلًا آمنًا في فلسطين، وفي هذا، أكَّدت دراسة علمية حول «مدى تأثير الإعلام سلبًا على الحالة المعنوية الوطنية» أجراها معهد حاييم هرتسوغ للإعلام والمجتمع والسياسة في جامعة تل أبيب؛ على تدنِّي الروح المعنوية العامة للجماهير الإسرائيلية، حيث أظهرت الدراسة أنَّ غالبية الجمهور الإسرائيلي يجد أن أوضاع إسرائيل كانت أفضل قبل 20 عامًا مما هي عليه الآن، وقال 3.24 % من المستطلعة آراؤهم إن المزاج الوطني العام في إسرائيل سيئ للغاية فيما قال 8.45 % إنه سيئٌ فحسب. وينعكس بلوغ الحالة المعنوية للحضيض، بحسب الدراسة، في عدة نتائج منها أن 72 % من الإسرائيليين غير واثقين من قوة قيادتهم على مواجهة التحديات والمخاطر، فيما يؤمن 73 % منهم بأن كل واحد تقريبا من العاملين بالسلك الحكومي متورط بالفساد. كما يرى الإسرائيليون، بموجب الدراسة، أن هناك تحديات خطيرة تواجه إسرائيل على رأسها الفساد يليه «العمليات الإرهاب» ومن ثم ضعف قوة الردع، صواريخ حزب الله، التهديدات الإيرانية، فقدان الأغلبية اليهودية، الحالة الاقتصادية وأخيرًا الحرب مع سوريا، كما أبدى 93 % عدم رضاهم عن طريقة معالجة الحكومة لمختلف القضايا، فيما أشار البحث أيضا إلى أن اثنين من كل عشرة إسرائيليين مستعدان للهجرة وخمسة من كل عشرة راغبون بحيازة جواز سفر أجنبي. وهُنا أُشير إلى أنَّ الروح المعنوية لدى الشعوب مبنية على عدد من المقومات الرئيسية، وهي: القيادة، ويُقصَدُ بها الثقة المتبادلة بالقيادة وقُدرتها على إدارة الحرب بصورة جيدة واستخدامها السليم للوسائل والإمكانات المتيسرة، نوع الحكم سواءً ديكتاتوريا- ديمقراطيا إلخ، القيم الاجتماعية السائدة، الثقة المتبادلة بين الشعب والدولة، سعة ووفرة الإمكانات والوسائل والأسلحة المتيسرة التي يمكن وضعها في أيدي الرجال على مختلف مستوياتهم، التطور الحضاري للأمة وماضيها بما يحمل من انحطاط أو سمو حضاري، العقيدة التي تحملها الأمة ومدى أصالتها وعُمق جذورها في عقلها وروحها، مستوى تدريب وتهيئة القوات المسلحة للأمة واستعدادها لخوض الحرب. وعليه، يُمكن القول إنَّ هذه الأرضية الهامة المبنية على ضعف وتهلهل الروح المعنوية في الداخل الإسرائيلي تمهَّد المجال للجانب الفلسطيني الفاعل في حرب المقاومة الإلكترونية لتحقيق ضرباتها بشكلٍ مُسدَّد ومطمئن.
الصورة الإعلامية الراهنة للقضية الفلسطينية - 2
- 15/10/2023
- /
- آراء و قضايا
ريشة حبر
+ A
A -