في صحيح البخاري أن امرأتين خرجتا ومع كلِّ واحدةٍ منهما صبيّ رضيع لها، فجاءَ الذئب وأكلَ أحدهما، فادَّعتْ كل واحدة منهما أنَّ الذئبَ إنما أكلَ ابن صاحبتها!فتحاكمتا إلى داود عليه السلام، وقصَّتا عليه القصة، فحكمَ به للكبرى.ثم اختصمتا إلى سليمان عليه السلام، فقال: ائتوني بسكينٍ أشقّ الغلامَ نصفين، لكلٍّ منكما نصف! فقالتْ الكبرى: نعم.وقالتْ الصغرى: لا تفعل، فنصيبي فيه لها! فقالَ للصغرى: خذيه فهو ابنكِ!كانَ سليمان عليه السلام داهيةً في القضاء، أعطاه الله منه حظاً وافراً، ومن دهائه أنَّ رجلاً جاءه وقال: يا نبي الله، إن لي جيراناً يسرقون إوزي!فنادى عليه السَّلام أنَّ الصلاةَ جامعة!ثم صعدَ المنبرَ وخطبَ في الناسِ وقال: ما بال أحدكم يسرق إوز جاره ثم يدخل المسجد والريش على رأسه؟!فمسحَ رجلٌ رأسَه! فقالَ سليمان عليه السلام: خذوه فإنه صاحبكم!وحين أصابَ سليمان الحكْمَ في قصةِ المرأتين، ولم يصِبْ في هذا داود عليه السلام، فهذا لأنَّ الله تعالى فضَّل الأنبياء بعضهم على بعض، وأعطى بعضهم ما لم يعْطِ بعضاً، فسليمان عليه السلام في القضاءِ أبرع من داود عليه السلام، وكلاهما بِنَصِّ القرآن أوتِيَ حكماً وعلماً!وقد كانَ هارون عليه السلام أفصحَ من موسى عليه السلام لساناً، وموسى بلا خِلافٍ أفضل من هارون بالمجمل!فإذا تفاوتَ الأنبياء عليهم السلام أجمعين بما أعطاهم ربهم، فمن باب أَوْلَى أن يتفاوتَ الناس كذلك!وحين غابَ عن داود الحكم وأصابه سليمان عليهما السلام، فمن باب أَوْلَى أن يختلفَ الفقهاء، ويصيب أحدهم ويخطئ آخر، وكلهم مجتهدٌ صاحب فضل، قاصدٌ وجهَ الله، ونفعَ الأمة، فلا نتعصَّب للمذاهب، ولا نهضم حقوق الآخرين، نعترف للجميعِ بأفضالهم، ونتقرب إلى اللهِ تعالى بحبهم!