أيام لم يكن في البيوت أفران غاز ولكن كان فيها الكثير من دفء الحب، اشترى الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله حطبًا من جمَّال، وطلب منه أن يحمله إلى منزله، وأثناء إنزال الجمّال للحطب وقعت علبة دخان من جيبه ولم ينتبه، ولكن الشيخ رآها فالتقطها، وعندما انتهى الرجل من عمله، أعطاه الشيخ أجرته ومدَّ له علبة الدخان، سائلًا إياه: أهذه لك؟
فردّ الرجل على استحياء: أجل، ثم أردف قائلًا : غريبة يا شيخ ما أحرقتها !
فقال له الشيخ: إن أحرقتها فستشتري غيرها من ثمن هذا الحطب على حساب طعام أولادك
يقول الشيخ وهو يحدّث بهذه القصة، فقال لي الرجل عندها: أشهدك أني سأقلع عن التدخين، ومضى في طريقه ولم نلتقِ بعدها!
لم أبدأ هذه القصة لأفتح من خلالها بابًا من أبواب الفقه والاجتهاد، لستُ من أهل الفتوى، ولا تتوفر فيّ صفات المجتهد لأرجّح بين أقوال الشيوخ في الدخان بين التحريم والكراهة والإباحة، ولا أدري بالمناسبة إن قال أحد بالإباحة، ما يعنيني من هذه القصة هو هذا النبل من الشيخ في التعاطي مع الرجل، هذه الرحمة والحنان على الناس الذي نفتقده اليوم في كثير من رجال الدين!
وإني لأقسم بالله غير حانثٍ ولا راجمٍ بما لا أعلم أن نفور بعض الناس من الدين يتحمل مسؤوليته بعض أهل الدين أنفسهم سواءً كانوا علماء أو أشخاصًا متدينين!
واضح من ثنايا القصة أي رأي فقهي يتبنى الشيخ من الدخان، ولكن رأيه لم ينسِه أن يفكّر بخبز أهل هذا العامل البسيط، هذه الرحمة وهذه الإنسانية كانت دعوة من غير أحاديث ولا آيات، ولا قياس ولا استدلال، وهذا بالضبط ما جعله يلمس قلب الرجل، فكانت النتيجة كما عرفتم، فماذا لو كان تصرفه مغايرًا، ماذا لو ألقى علبة الدخان في وجه الرجل ثم أردفها بكلمة قاسية، أكانت النهاية لتكون على الشكل الذي كانت عليه؟!
رُوي للحسن البصري أن فقيهًا من فقهاء الحجاز رغبت به امرأة، فاعترضته في الطريق وكشفت عن وجه كفلقة القمر، فقال لها: لا عذّب الله هذا الوجه الحسن في النار، ومضى في طريقه!
فقال الحسن معلقًا على هذه القصة، هذا من ظرف فقهاء الحجاز، ولو كان من فقهاء العراق لقال: اغربي عن وجهي يا عدوة الله!
وقد عُرف عن فقهاء العراق حدّتهم في ذلك الوقت، أما اليوم فلم يعد الظُرف والقسوة له أرض أو وطن تداخلت الأشياء، وصارت كل النماذج توجد في بقعة واحدة!
خلاصة القول:
إن الواقع في المعصية أيًا كانت هو إنسان مبتلى تمامًا كالمريض، بحاجة إلى الشفقة والرحمة أكثر من حاجته للتأنيب والتقريع والتوبيخ، ومهمة المتدينين، علماءً كانوا أو غير ذلك أن يأخذوا بأيدي الناس إلى الله لا أن يقفوا بينهم وبينه!
بقلم : أدهم شرقاوي
فردّ الرجل على استحياء: أجل، ثم أردف قائلًا : غريبة يا شيخ ما أحرقتها !
فقال له الشيخ: إن أحرقتها فستشتري غيرها من ثمن هذا الحطب على حساب طعام أولادك
يقول الشيخ وهو يحدّث بهذه القصة، فقال لي الرجل عندها: أشهدك أني سأقلع عن التدخين، ومضى في طريقه ولم نلتقِ بعدها!
لم أبدأ هذه القصة لأفتح من خلالها بابًا من أبواب الفقه والاجتهاد، لستُ من أهل الفتوى، ولا تتوفر فيّ صفات المجتهد لأرجّح بين أقوال الشيوخ في الدخان بين التحريم والكراهة والإباحة، ولا أدري بالمناسبة إن قال أحد بالإباحة، ما يعنيني من هذه القصة هو هذا النبل من الشيخ في التعاطي مع الرجل، هذه الرحمة والحنان على الناس الذي نفتقده اليوم في كثير من رجال الدين!
وإني لأقسم بالله غير حانثٍ ولا راجمٍ بما لا أعلم أن نفور بعض الناس من الدين يتحمل مسؤوليته بعض أهل الدين أنفسهم سواءً كانوا علماء أو أشخاصًا متدينين!
واضح من ثنايا القصة أي رأي فقهي يتبنى الشيخ من الدخان، ولكن رأيه لم ينسِه أن يفكّر بخبز أهل هذا العامل البسيط، هذه الرحمة وهذه الإنسانية كانت دعوة من غير أحاديث ولا آيات، ولا قياس ولا استدلال، وهذا بالضبط ما جعله يلمس قلب الرجل، فكانت النتيجة كما عرفتم، فماذا لو كان تصرفه مغايرًا، ماذا لو ألقى علبة الدخان في وجه الرجل ثم أردفها بكلمة قاسية، أكانت النهاية لتكون على الشكل الذي كانت عليه؟!
رُوي للحسن البصري أن فقيهًا من فقهاء الحجاز رغبت به امرأة، فاعترضته في الطريق وكشفت عن وجه كفلقة القمر، فقال لها: لا عذّب الله هذا الوجه الحسن في النار، ومضى في طريقه!
فقال الحسن معلقًا على هذه القصة، هذا من ظرف فقهاء الحجاز، ولو كان من فقهاء العراق لقال: اغربي عن وجهي يا عدوة الله!
وقد عُرف عن فقهاء العراق حدّتهم في ذلك الوقت، أما اليوم فلم يعد الظُرف والقسوة له أرض أو وطن تداخلت الأشياء، وصارت كل النماذج توجد في بقعة واحدة!
خلاصة القول:
إن الواقع في المعصية أيًا كانت هو إنسان مبتلى تمامًا كالمريض، بحاجة إلى الشفقة والرحمة أكثر من حاجته للتأنيب والتقريع والتوبيخ، ومهمة المتدينين، علماءً كانوا أو غير ذلك أن يأخذوا بأيدي الناس إلى الله لا أن يقفوا بينهم وبينه!
بقلم : أدهم شرقاوي