+ A
A -
تعتبر تدوينة الرئيس التونسي السابق، المنصف المرزوقي، عن حملة القوى اليسارية العلمانية للرد على قرار أبوظبي، بمنع إركاب السيدات التونسيات على متن رحلاتها، مدخلاً مهماً، لفهم علاقة الربيع التونسي وما تبقى منه، بموقف الدول الخليجية، وخاصة تحالف أبوظبي والرياض الذي أعلن رسمياً، مواجهته لحركة الربيع العربية، وهو اليوم وبتصريحات علنية، يعتبر ما فعله محل اعتزاز لدوره في مصر وغيرها.
تدوينة المرزوقي توجهت للتذكير، بالحملة التي استهدفته وحركة النهضة التونسية، من خلال ذات القوى المحتجة على طيران الإمارات اليوم، والتي كان بعضها بالأمس تحت دعم مباشر وقوي من أبوظبي، خلال رئاسته، لغرض إسقاط الربيع التونسي، ورغم خلاف المنصف الذي توسع كثيراً مع حركة النهضة، في ظل تحالفها مع نداء تونس، والرئيس السبسي.
وهو منحى اتخذته النهضة، ضمن سلسلة تنازلات لتجنيب تونس المصير المصري، الذي رعته أبوظبي، فإن هذا المشترك بينه وبين النهضة، عاد للذاكرة في قضية موقف طيران الإمارات، الذي أشار بعد ذلك، إلى أن موقف أبوظبي يتوجه بالفعل لحملة تأديب للتونسيين، الذين تمسكوا ببقية هذا الربيع، رغم تحدياته الكبرى.
وما نقصده هو أمور أخرى طرحت في الإعلام التونسي، وفي إعلام أبوظبي تؤكد على هذا الافتراق، الذي سيظل موسميا، خلافا لما أشار إليه نصح المنصف المرزوقي، من أن هذه القوى التي نبهها، لخطورة مشروع أبوظبي على تونس، ومستقبلها السياسي الديمقراطي، وكرامتها الوطنية، لم تحفل ذلك الزمن، بتحذيره وكانت في الاتجاه المعاكس لموقفه، وهي اليوم تشهد على نفسها بحسب ما يفهم من تدوينته.
ولذلك نطرح هنا محاولة توقف كبير، لفهم موقف توجهين للحركة العلمانية التونسية، بين العلمانية الوطنية الديمقراطية، التي تعترف بالإسلام والعروبة، كجزء رئيس لهوية الشعب التونسي وتاريخه الحضاري، ودافع وطني لاتخاذ مسيرته الديمقراطية المستقلة، التي تعززها هذه الهوية.
وبين تكتل طائفة العلمانية، التي لا تعترف بقرار التصويت الشعبي، أو خيار التونسيين الديمقراطي، إذا كان يصادم ما يرونه حقا للطائفة، حين تتحول أفكارهم إلى مجتمع طائفة منفصلة، لا فكر سياسيا وطنيا، فتُفصّل الطائفة البنية الديمقراطية، والحق الدستوري والكرامة الوطنية بناء على أيدلوجيتها، المتصلة بعمق مع المفهوم الوجودي الغربي، وليس الحريات الدستورية وكرامة الفرد السياسية.
وبالتالي يطرح هذا السؤال، من مِن ضمن هذه الأسرة العلمانية، التي كانت ضمن دائرة النفوذ والضغوط على المرزوقي والنهضة، كما جرى في القاهرة، في انقلاب يوليو 2013، ممكن أن يكون تياراً وطنياً مستقلاً ثابتاً، على مضامين الربيع العربي، بقرار المشاركة الشعبية، والتمثيل الانتخابي، ومن سيبقى يعتبر، أنه مهما بلغ مستوى التدخل الفرنسي أو العربي، المتوافق مع الغرب.
وما يشكله من اعتداء على الكرامة الوطنية، فهو حليف سيعود للتضامن معه غداً، وتطوى صفحة طيران الإمارات وما أثارته، لمواجهة أي غالبية تونسية تصوّت في إطار الخيار الديمقراطي، لو أن هذه الغالبية صادمت أيدلوجيتهم، المناهضة بشراسة لأي قيم إسلامية، لا تتعارض مع المفهوم الدستوري وحرية الشعب، بل تعززها في إطار استقلال سياسي، وتنمية روحية يتمسك بها التونسيون.
فهل ما يجري في تونس، من خلال إعادة جرد حساب الموقف الخليجي، ودوره في وسائل إعلام خاصة، هو مراجعة فكرية، للحفلة التي دفن فيها السيسي اليوم، محافل اليساريين والقوميين واللبراليين، الذين ساندوه في انقلاب يوليو، ومصير مصر الحالي، أم أنه موقف اقتضى تعبيراً سريعاً موسمياً، لقوة الصدمة الشعبية من قرار أبوظبي، وما أعقبه من مواقف، ثم يذوب كلياً.
وقد صدر بالفعل قرار تجاوز هذه الأزمة، وعودة تسيير الرحلات، فمن المؤكد أن هناك سياسة مصالح تعبر بها تونس هذا الموقف، اتفقت مع بعض التراجع من قبل أبوظبي، كمنظومة سياسات دبلوماسية، تونس بحاجة لها، كما أن موقف أبوظبي المتورط في عدة ملفات، لا يسمح له بتصعيد واسع مع تونس.
أما الموضوع الرئيس، وفي ظل ضغوطات اقتصادية صعبة، فهو رياح التفكير السياسي القومي التونسي، والذي يحتاج بالفعل أن يُجرَد بدقة، إلى أين ينتهي التحالف مع الثورة المضادة، وما هو حصيلتها في الدولة القومية، خاصة أن توافق الترويكا، انتهى إلى إقرار سلم سياسي هش، يحتاج إلى تعزيز دستوري وسياسي مباشر، تبني به تونس طريقا مستقراً، ولو طال، لكنه يُكرس سيادة قومية، واحتراما دستوريا.
وهل هذا الموقف، سيعيد التفكير، ويلتقي على تهذيب التيار العلماني المتطرف، والذي يلتقي على دعمه مشروع غربي وعربي، ويُستثمر لإشعال البنية السياسية للبلد، لمجرد أي تقدم إسلامي انتخابي، أم أن هذه المواسم ستعود مرة أخرى، لتهدد الاستقرار التونسي الاجتماعي، وربيعه المتبقي.
إن تجربة النهضة اليوم، ونزول شعبيتها مرة وصعودها مرة أخرى، وانقضاء تحالفها مع الرئيس المنصف، الذي أضحى اليوم في موقع الخصم السياسي للنهضة، بعد تحالفها مع الرئيس السبسي ونداء تونس، وهناك فريق إسلامي قريب من موقف المنصف، يُثبت أن ما يروج له من هيمنة مطلقة للإسلاميين، كان مجرد شماعة استخدمت لهدم ثورة يناير في مصر، والتحدي الكبير هو في المحافظة على القرار الشعبي وحريته، في تداول السلطة، وإن طالت الفترة الزمنية.
وهذا يحتاج إلى ميثاق شرف أخلاقي ملزم، يُعزّز مفاهيم الوحدة الوطنية التونسية، التي منعت انزلاق تونس لمصير مصر، لكن في إطار الاشتغال، بعملية نهضة تنموية نجحت فيها، تجربة العدالة التركي، في فترتها الأولى، وصعدت بالإنتاج القومي إلى مستوى متقدم، وحققت قفزة في ثلاثة مسارات مهمة، الإسكان والصحة والتعليم، بغض النظر عن الخلافات، في تقييم مرحلة رئاسة أردوغان وتنحية النظام البرلماني.
وتونس اليوم، بحاجة إلى تثبيت القناعة بحصيلة ربيعها، وقرار الشعب، وإطلاق هذه الورشة للنهضة الاقتصادية، وعدم إشغال الرأي العام بمواسم يوجهها إعلام ممول، لمعارك سياسية تسعى لإسقاط الدولة، والاستقرار لحسابات أيدلوجية علمانية متطرفة، تتقاطع مع الخشية الغربية والعربية، من استقلال إرادة تونس الشعبية.
وأن تُفصَل مساحات التنافس السياسي، ودورات التحول من الحكم إلى المعارضة، عن مفهوم الورشة الوطنية الكبرى، لتقدم الفرد ورفاهه الاقتصادي، وهي مسيرة ليست قصيرة ولا سهلة، لكنها لا تقارن بدعوات الخراب، التي ضحت بالديمقراطية باسم الأمن، فلم تأت بالأمن بل نشرت الخوف، وجوعت الشعب وصادرت حريته.
بقلم : مهنا الحبيل
تدوينة المرزوقي توجهت للتذكير، بالحملة التي استهدفته وحركة النهضة التونسية، من خلال ذات القوى المحتجة على طيران الإمارات اليوم، والتي كان بعضها بالأمس تحت دعم مباشر وقوي من أبوظبي، خلال رئاسته، لغرض إسقاط الربيع التونسي، ورغم خلاف المنصف الذي توسع كثيراً مع حركة النهضة، في ظل تحالفها مع نداء تونس، والرئيس السبسي.
وهو منحى اتخذته النهضة، ضمن سلسلة تنازلات لتجنيب تونس المصير المصري، الذي رعته أبوظبي، فإن هذا المشترك بينه وبين النهضة، عاد للذاكرة في قضية موقف طيران الإمارات، الذي أشار بعد ذلك، إلى أن موقف أبوظبي يتوجه بالفعل لحملة تأديب للتونسيين، الذين تمسكوا ببقية هذا الربيع، رغم تحدياته الكبرى.
وما نقصده هو أمور أخرى طرحت في الإعلام التونسي، وفي إعلام أبوظبي تؤكد على هذا الافتراق، الذي سيظل موسميا، خلافا لما أشار إليه نصح المنصف المرزوقي، من أن هذه القوى التي نبهها، لخطورة مشروع أبوظبي على تونس، ومستقبلها السياسي الديمقراطي، وكرامتها الوطنية، لم تحفل ذلك الزمن، بتحذيره وكانت في الاتجاه المعاكس لموقفه، وهي اليوم تشهد على نفسها بحسب ما يفهم من تدوينته.
ولذلك نطرح هنا محاولة توقف كبير، لفهم موقف توجهين للحركة العلمانية التونسية، بين العلمانية الوطنية الديمقراطية، التي تعترف بالإسلام والعروبة، كجزء رئيس لهوية الشعب التونسي وتاريخه الحضاري، ودافع وطني لاتخاذ مسيرته الديمقراطية المستقلة، التي تعززها هذه الهوية.
وبين تكتل طائفة العلمانية، التي لا تعترف بقرار التصويت الشعبي، أو خيار التونسيين الديمقراطي، إذا كان يصادم ما يرونه حقا للطائفة، حين تتحول أفكارهم إلى مجتمع طائفة منفصلة، لا فكر سياسيا وطنيا، فتُفصّل الطائفة البنية الديمقراطية، والحق الدستوري والكرامة الوطنية بناء على أيدلوجيتها، المتصلة بعمق مع المفهوم الوجودي الغربي، وليس الحريات الدستورية وكرامة الفرد السياسية.
وبالتالي يطرح هذا السؤال، من مِن ضمن هذه الأسرة العلمانية، التي كانت ضمن دائرة النفوذ والضغوط على المرزوقي والنهضة، كما جرى في القاهرة، في انقلاب يوليو 2013، ممكن أن يكون تياراً وطنياً مستقلاً ثابتاً، على مضامين الربيع العربي، بقرار المشاركة الشعبية، والتمثيل الانتخابي، ومن سيبقى يعتبر، أنه مهما بلغ مستوى التدخل الفرنسي أو العربي، المتوافق مع الغرب.
وما يشكله من اعتداء على الكرامة الوطنية، فهو حليف سيعود للتضامن معه غداً، وتطوى صفحة طيران الإمارات وما أثارته، لمواجهة أي غالبية تونسية تصوّت في إطار الخيار الديمقراطي، لو أن هذه الغالبية صادمت أيدلوجيتهم، المناهضة بشراسة لأي قيم إسلامية، لا تتعارض مع المفهوم الدستوري وحرية الشعب، بل تعززها في إطار استقلال سياسي، وتنمية روحية يتمسك بها التونسيون.
فهل ما يجري في تونس، من خلال إعادة جرد حساب الموقف الخليجي، ودوره في وسائل إعلام خاصة، هو مراجعة فكرية، للحفلة التي دفن فيها السيسي اليوم، محافل اليساريين والقوميين واللبراليين، الذين ساندوه في انقلاب يوليو، ومصير مصر الحالي، أم أنه موقف اقتضى تعبيراً سريعاً موسمياً، لقوة الصدمة الشعبية من قرار أبوظبي، وما أعقبه من مواقف، ثم يذوب كلياً.
وقد صدر بالفعل قرار تجاوز هذه الأزمة، وعودة تسيير الرحلات، فمن المؤكد أن هناك سياسة مصالح تعبر بها تونس هذا الموقف، اتفقت مع بعض التراجع من قبل أبوظبي، كمنظومة سياسات دبلوماسية، تونس بحاجة لها، كما أن موقف أبوظبي المتورط في عدة ملفات، لا يسمح له بتصعيد واسع مع تونس.
أما الموضوع الرئيس، وفي ظل ضغوطات اقتصادية صعبة، فهو رياح التفكير السياسي القومي التونسي، والذي يحتاج بالفعل أن يُجرَد بدقة، إلى أين ينتهي التحالف مع الثورة المضادة، وما هو حصيلتها في الدولة القومية، خاصة أن توافق الترويكا، انتهى إلى إقرار سلم سياسي هش، يحتاج إلى تعزيز دستوري وسياسي مباشر، تبني به تونس طريقا مستقراً، ولو طال، لكنه يُكرس سيادة قومية، واحتراما دستوريا.
وهل هذا الموقف، سيعيد التفكير، ويلتقي على تهذيب التيار العلماني المتطرف، والذي يلتقي على دعمه مشروع غربي وعربي، ويُستثمر لإشعال البنية السياسية للبلد، لمجرد أي تقدم إسلامي انتخابي، أم أن هذه المواسم ستعود مرة أخرى، لتهدد الاستقرار التونسي الاجتماعي، وربيعه المتبقي.
إن تجربة النهضة اليوم، ونزول شعبيتها مرة وصعودها مرة أخرى، وانقضاء تحالفها مع الرئيس المنصف، الذي أضحى اليوم في موقع الخصم السياسي للنهضة، بعد تحالفها مع الرئيس السبسي ونداء تونس، وهناك فريق إسلامي قريب من موقف المنصف، يُثبت أن ما يروج له من هيمنة مطلقة للإسلاميين، كان مجرد شماعة استخدمت لهدم ثورة يناير في مصر، والتحدي الكبير هو في المحافظة على القرار الشعبي وحريته، في تداول السلطة، وإن طالت الفترة الزمنية.
وهذا يحتاج إلى ميثاق شرف أخلاقي ملزم، يُعزّز مفاهيم الوحدة الوطنية التونسية، التي منعت انزلاق تونس لمصير مصر، لكن في إطار الاشتغال، بعملية نهضة تنموية نجحت فيها، تجربة العدالة التركي، في فترتها الأولى، وصعدت بالإنتاج القومي إلى مستوى متقدم، وحققت قفزة في ثلاثة مسارات مهمة، الإسكان والصحة والتعليم، بغض النظر عن الخلافات، في تقييم مرحلة رئاسة أردوغان وتنحية النظام البرلماني.
وتونس اليوم، بحاجة إلى تثبيت القناعة بحصيلة ربيعها، وقرار الشعب، وإطلاق هذه الورشة للنهضة الاقتصادية، وعدم إشغال الرأي العام بمواسم يوجهها إعلام ممول، لمعارك سياسية تسعى لإسقاط الدولة، والاستقرار لحسابات أيدلوجية علمانية متطرفة، تتقاطع مع الخشية الغربية والعربية، من استقلال إرادة تونس الشعبية.
وأن تُفصَل مساحات التنافس السياسي، ودورات التحول من الحكم إلى المعارضة، عن مفهوم الورشة الوطنية الكبرى، لتقدم الفرد ورفاهه الاقتصادي، وهي مسيرة ليست قصيرة ولا سهلة، لكنها لا تقارن بدعوات الخراب، التي ضحت بالديمقراطية باسم الأمن، فلم تأت بالأمن بل نشرت الخوف، وجوعت الشعب وصادرت حريته.
بقلم : مهنا الحبيل