+ A
A -
جريدة الوطن

عربي بوست: يتبنى الرئيس الأميركي جو بايدن الرواية الإسرائيلية بحذافيرها، لكن يشكك في أعداد شهداء القصف الهمجي لغزة، فكيف توثّق وزارة الصحة الفلسطينية سجلات الضحايا؟

ومنذ «طوفان الأقصى» يوم 7 أكتوبر/‏ تشرين الأول، سعت إسرائيل إلى إضفاء صبغةٍ دينية على حربها غير الإنسانية على قطاع غزة، وصدر رئيس وزرائها بنيامين نتانياهو، وبجانبه تماماً بايدن، روايات مضللة بشأن طبيعة الصراع وما جرى فعلاً يوم السابع من أكتوبر/‏ تشرين الأول.

إذ إن «طوفان الأقصى» هو الاسم الذي أطلقته حركة المقاومة الإسلامية «حماس» على عمليتها العسكرية الشاملة ضد جيش الاحتلال الذي يفرض حصاراً خانقاً على القطاع منذ 17 عاماً. ففي تمام الساعة السادسة صباحاً بالتوقيت المحلي في فلسطين في ذلك اليوم، شنّت «حماس» اجتياحاً فلسطينياً لمستوطنات الغلاف المحاذية لقطاع غزة المحاصر، حيث اقتحم مقاتلون من كتائب عز الدين القسام البلدات المتاخمة للقطاع بعد أن اخترقت الجدار الحديدي وسحقت فرقة غزة التابعة لجيش الاحتلال، في ظل غطاء جوي من آلاف الصواريخ التي أُطلقت من غزة باتجاه تل أبيب والقدس ومدن الجنوب.

ووسط حالة الذعر والصدمة التي انتابت الإسرائيليين، وانتشار مقاطع فيديو وصور لدبابات ومدرعات تابعة لجيش الاحتلال، إما محروقة أو تحت سيطرة المقاومين الفلسطينيين، وأسْر العشرات من جنود جيش الاحتلال والمستوطنين، وسيطرة فلسطينية كاملة على مستوطنات، أعلنت دولة الاحتلال أنها «في حالة حرب»، للمرة الأولى منذ حرب أكتوبر/‏ تشرين الأول 1973، وهو اعتراف بأن هجوم المقاومة الفلسطينية هو هجوم عسكري.

لم يتوقف الرئيس الأميركي جو بايدن عند ترديد الدعايات الإسرائيلية والأكاذيب دون دليل، لكنه شكك في مصداقية تقارير وزارة الصحة في غزة عن عدد الشهداء والجرحى خلال القصف الإسرائيلي الهمجي المستمر على قطاع غزة، زاعماً أن أن وزارة الصحة تديرها حماس.

قال الرئيس الأميركي: «لا أعتقد أن الفلسطينيين يقولون الحقيقة حول عدد القتلى. أنا متأكد من أن هناك أبرياءً قُتِلوا، وهذا هو ثمن شن حرب. لكن ليست لدي ثقة في العدد الذي يعتمده الفلسطينيون».

صحيفة الغارديان البريطانية نشرت تقريراً يرصد تشكيك الرئيس الأميركي والحقيقة بشأن أعداد الضحايا، شهداء ومصابين. كانت وزارة الصحة الفلسطينية قد أعلنت، الخميس 26 أكتوبر/‏ تشرين الأول، أن القصف الإسرائيلي لغزة أدى إلى استشهاد 7028 فلسطينياً، من بينهم 2913 طفلاً، في الفترة الممتدة على مدار ثلاثة أسابيع تقريباً منذ عملية طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر/‏ تشرين الأول.

وفي خطوة لتجنب مزاعم التلفيق، أصدرت الوزارة أيضاً قائمةً مكونة من 212 صفحة بأسماء وأرقام هوية كل فلسطيني استشهد في القصف الإسرائيلي المستمر، بينما دعا مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية بايدن إلى الاعتذار عن تصريحاته «الصادمة والمهينة للإنسانية».

وتُعَد وزارة الصحة في غزة هي المصدر الرسمي الوحيد لأعداد الضحايا في القطاع، فقد أغلق الاحتلال الإسرائيلي حدود قطاع غزة، ومنعت الصحفيين الأجانب والعاملين في المجال الإنساني من الوصول إليه.

وكالة Associated Press الأميركية هي من بين عددٍ صغير من المؤسسات الإخبارية الدولية التي لها فريقٌ في غزة. وبينما لا يستطيع هؤلاء الصحفيون إجراء إحصاء شامل، فقد شاهدوا أعداداً كبيرة من الجثث في مواقع الغارات الجوية والمشارح والجنازات.

وتقول الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى والخبراء، وكذلك السلطات الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، إن وزارة الصحة في غزة بذلت منذ فترة طويلة جهوداً حسنة النية لحساب الضحايا في ظل أصعب الظروف.

مايكل رايان، من برنامج الطوارئ الصحية التابع لمنظمة الصحة العالمية، قال لوكالة Associated Press: «قد لا تكون الأرقام دقيقة تماماً من دقيقة إلى أخرى، لكنها تعكس إلى حد كبير مستوى الوفيات والإصابات».

وقال نهاد عوض، مدير المجلس: «أكد الصحفيون ارتفاع عدد الضحايا، وتُظهِر مقاطع فيديو لا تعد ولا تحصى تخرج من غزة كل يوم جثثاً مشوهة لنساء وأطفال فلسطينيين ومبان بأكملها في المدينة سُوَّت بالأرض».

لوك بيكر، المدير السابق لمكتب وكالة Reuters في القدس، هو من بين أولئك الذين يدعون المؤسسات الإخبارية إلى إظهار التشكك في صحة بيانات وزارة الصحة في غزة.

نشر بيكر على منصة إكس، قائلاً: «يبدو من الواضح أن أية مؤسسة إخبارية تحترم نفسها ستوضح أن وزارة الصحة في غزة تديرها حماس. لدى حماس حافز دعائي واضح لتضخيم الخسائر في صفوف المدنيين قدر الإمكان. أنا لا أنكر أن هناك مدنيين يُقتلون».

ويقول آخرون إن الوزارة لديها سجل حافل من أرقام الضحايا الموثوقة، وإنها وقعت ضحية للحرب الدعائية في الوقت الذي تسعى فيه دولة الاحتلال إلى تقليل عواقب مئات الغارات الجوية على غزة.

وفي الماضي، اعتمد تقرير حقوق الإنسان السنوي الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية بشكل غير مباشر على أرقام الضحايا التي تنشرها الوزارة نفسها في نقله عن إحصاءات الأمم المتحدة المستمدة من البيانات الفلسطينية.

عمر شاكر، مدير مكتب إسرائيل وفلسطين لمنظمة هيومن رايتس ووتش، قال لصحيفة الغارديان إنه لا يرى أي دليل على التلاعب بالأرقام، مضيفاً: «نحن نرصد انتهاكات حقوق الإنسان في قطاع غزة منذ ثلاثة عقود، بما في ذلك عدة جولات من الأعمال العدائية. ولقد وجدنا بشكل عام أن البيانات الصادرة عن وزارة الصحة موثوقة».

«عندما أجرينا تحقيقاتنا المستقلة حول غارات معينة، وقمنا بمقارنة هذه الأرقام بتلك الصادرة عن وزارة الصحة، لم تكن هناك انحرافات كبيرة. الأعداد الصادرة عنهم بشكل عام تتفق مع ما نراه على الأرض في الأيام الأخيرة. هناك مئات الغارات الجوية يومياً في واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم».

وتابع قائلاً: «نظرنا إلى صور الأقمار الصناعية. رأينا أعداد المباني، والأعداد التي تظهر تتماشى مع ما كنا نتوقعه ومع ما نراه على الأرض. لذا نحن واثقون تماماً من العدد الإجمالي للضحايا».

وقال شاكر إن من الصعب تمييز المقاومين والمدنيين بين الشهداء، لكن النسبة الكبيرة من النساء والأطفال الذين فقدوا حياتهم تشير إلى ارتفاع عدد الضحايا المدنيين. وقال أيضاً إن هناك حاجة للتمييز بين أعداد الضحايا المباشرة التي تظهر بسرعة في أي يوم وتلك التي تُجمَع بمرور الوقت، عندما تتضح الأمور بشكل أكبر.

استند بايدن على ما يبدو في تشكيكه في مصداقية أرقام وزارة الصحة في غزة، على ما حدث في أعقاب الاستهداف الإسرائيلي للمستشفى الأهلي المعمداني في غزة مساء الثلاثاء 17 أكتوبر/‏ تشرين الأول، وما صاحب ذلك من تضارب مبدئي في تقديرات أعداد الضحايا.

ففي تصريحات مبدئية بعد دقائق من الانفجار الضخم في المستشفى، والذي سبب صدمة عالمية وغضباً عارماً، صدرت تقديرات عن بعض العاملين في وزارة الصحة تشير إلى أن هناك ما لا يقل عن 500 شهيد في الغارة الجوية الإسرائيلية، سعت إسرائيل وحلفاؤها، وعلى رأسهم بايدن الذي كان في طريقه إلى تل أبيب، إلى «التنصل» من الجريمة عبر الزعم بأنها قد تكون نتجت عن صاروخ فلسطيني سقط بالخطأ.

ولاحقاً، سعت إسرائيل وأبواقها أيضاً إلى التقليل من أعداد ضحايا مذبحة المستشفى المعمداني، بالترويج لأن أعداد من فقدوا أرواحهم تتراوح فقط بين 100 و300، وتوظيف ذلك في سياق التشكيك في أعداد الضحايا في القطاع بشكل عام. لكن شاكر وآخرين يقولون إن تقديرات عدد الضحايا مباشرة بعد الهجوم يجب التمييز بينها وبين الحسابات المستندة إلى البيانات المسجلة.

والمصدر الأكثر نقلاً عن الضحايا في غزة هو المتحدث باسم وزارة الصحة أشرف القدرة، ومن مكتبه في مستشفى الشفاء في مدينة غزة، يتلقى القدرة تدفقاً مستمراً للبيانات من كل مستشفى في القطاع.

ومن الناحية التاريخية، دائماً ما كانت أرقام الضحايا الصادرة عن وزارة الصحة في غزة موثوقة، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن أسماء الشهداء تكون موثقة بعناية، وأن شخصياتهم تكون معروفة جيداً في المجتمعات المكتظة في المنطقة.

وقال مسؤول بالأمم المتحدة للصحيفة البريطانية، رفض الكشف عن هويته، إن وكالته استخدمت بيانات وزارة الصحة في غزة وفحصتها لسنوات. وأضاف: «لم أر شيئاً يدل على أنهم يختلقون الأرقام، لقد نظرنا إلى بعض التفجيرات الإسرائيلية وأعداد القتلى التي تدعي الوزارة أنها ناجمة عن هجوم معين تتماشى إلى حد كبير مع ما رأيناه في الحروب السابقة».

وقال إن سبب ارتفاع إجمالي عدد الضحايا هو أن الهجمات كانت «أكبر بكثير من أي شيء رأيناه في الحروب السابقة، إنهم لا يضخِّمون الأرقام».

copy short url   نسخ
28/10/2023
25