لا خلاف بين عاقلين على أهمية وسائل التواصل الاجتماعي وقدرتها على إيصال صوت المواطن للسلطة والتأثير في الرأي العام، وأيضا نقل الأخبار والمستجدات والحقائق، وقد كانت الأمطار التي هطلت على دولة قطر في الأيام القليلة الماضية حديث الساعة ومحور التدوينات والتغريدات التي انتشرت في مختلف المنصات انتشار النار في الهشيم بين تعبير عن فرح بالغيث النافع وتهليل بالخير، وأيضا انتقاد لبعض المشاهد من تداعيات الأمطار في بعض الطرق والمباني.
وقد جعلني محتوى بعض التغريدات المنزعجة من نشر صور انهيار أسقف بعض المحلات التجارية وتسرب المياه لبعض الأبنية أتساءل حول حدود الشفافية، وعن الخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها والمواضيع التي لا يجب طرحها علنا، حيث كتب أحد الناشطين القطريين تدوينة مفادها «لست هُنا لأضع الأعذار لهيئة أشغال أو لأي مؤسسة حكومية فما حدث يعتبر معيبا، لكن في نفس الوقت استثنائيا، ولذلك من المجحف في حق بلادنا أن نغض الطرف عن الإيجابيات العديدة، ونملأ الدنيا سلبا وذما وتذمرا، بسبب تداعيات المطر، وأشار رغم أنه من الغلط أن يغرق نفق في دولة مثل قطر وأن تتهاوى قطع من مجمع تجاري.. لكن لا فائدة من التصوير الذي يجعل قطر تبدو، وكأنها دولة نائية، وتفتقد أبسط مقومات البنية التحتية، وتلغي جميع الإيجابيات اللي اقلها السرعة في سحب مياه الأمطار»، وذكّر متابعيه بحادثة مشابهة حدثت السنة الماضية في الكورنيش، وتمكن الهيئات المختصة من احتواء المشكلة في وقت قياسي حيث قاموا بسحب كمية كبيرة من الماء في ساعة واحدة.
وبالفعل وجدت أن بعض التدوينات منطقية تعكس حس المسؤولية لأصحابها، فهي تجمع بين تأكيد حق المواطنين في التعبير عن الرأي والدعوة إلى عدم الإضرار بصورة دولتنا التي أصبحت محط أنظار العالم وما زالت محور حديث الصحافة العالمية بعد نجاح المحفل الرياضي الذي أقيم على أراضيها منذ أقل من سنة. الطرح العميق في هذه التدوينات جعلني أتساءل عن دور المثقف والمؤثر في مثل هذه الحالات، وعن الخط الفاصل بين نقل الحقيقة وكشف الخلل لتلافيه من جهة، والمحافظة على الصورة الحضارية لدولة قطر من جهة ثانية، ووصلت إلى استنتاج مفاده أنه لا يمكننا أن ننكر الخلل، وكأنه لم يكن، ونبقى مكتوفي الأيدي إلى أن تحل الكارثة، وفي الوقت نفسه يجب أن نحافظ على الصورة الجميلة التي ترسخت لدى العالم حول قطر.
هذه المعادلة الصعبة استدعت لحظة توقف وصراحة وشفافية مع الذات وبحث عن حلول جذرية ومنطقية. فأنا أضم صوتي للناشطين عبر المنصات المختلفة، وأعتبر التركيز على السلبية تقصيرا في حق قطر التي بذلت جهودا مضنية لتعزيز صورتها الجميلة والراقية لا سيما إنها كانت أمام تحدي الصور النمطية للدول العربية، ولكني أيضا لست من أنصار المشاهدة الصامتة التي قد تنتهي بكارثة تخرج عن السيطرة لا قدر الله، وإنما أرى أن هناك حلا وسطا وعقلانيا يتناسب مع طبيعة المجتمع القطري، وأيضا المؤسسات الخدمية التي فتحت منابرها للمواطن للتعبير عن رأيه بشفافية، وتأخذه بعين الاعتبار، وتتخذ إجراءات على ضوء الملاحظات، فصار من السهل على أي شخص أن يوصل صوته وشكواه وتطلعاته للجهات المختصة فبإمكانه التعبير عن استيائه أو اقتراح حلول لتحسين الوضع.
فهذا الحل يجنبنا الانسحاب وراء ردود الفعل السطحية والانطباعية الناتجة عن حالات ظرفية واستثنائية، ويجعلنا أكثر منطقية في التعامل فلا ننسى خير قطر وإيجابياتها ولا ننكرها. فنحن على يقين أن الفيديوهات والصور المنتشرة لا تعكس حقيقة قطر ولا شك أنه لكل دولة مهما حرصت على الكمال سلبياتها ونواقصها.