مثّل احتفال تونس بالذكرى السابعة لثورتها مناسبة جديدة لقوى الثورة المضادة من أجل محاولة إرباك المسار الانتقالي مستفيدين من الوضع الاجتماعي المتأزم ومن الوضع الاقتصادي المأزوم. فالتسجيل الأخير الذي تم تسريبه ونشرته أغلب وسائل الإعلام العربية وضجت به مواقع التواصل الاجتماعي التونسية خاصة يكشف بجلاء بيّن السعي المحموم لقوى الثورة المضادة من أجل الإجهاز على التجربة التونسية. التسجيل كان بين شخصية ليبية معروفة مقربة من الإمارات وبين ما يعتقد أنه حلقة وصل مع قوى أمنية في تونس وكان موضوع التسجيل دعوة صريحة إلى «تهييج» الوضع في تونس وإلى الإطاحة بحكومة التوافق بين حركة النهضة وبين نداء تونس.
إن قراءة هذا الحدث تكشف جملة من المعطيات المركزية والسياقية الهامة:
أولها: أن التجربة التونسية لا تزال تؤرق المنظومة الانقلابية العربية والدولية وأنها لا تزال تمثل حجر عثرة في طريق كثير من الأنظمة العربية التي ترى في نجاحها خطرا وجوديا عليها. فنجاح التجربة التونسية سيدحض كل النظريات التي تأسس عليها النظام القمعي العربي، باعتبار الحكم الفردي هو الحاكم الوحيد الملائم للبلاد العربية. إن كل الخوف هو أن تتحول تونس إلى نموذج سياسي لبقية الدول العربية.
ثانيها: أن النظام الاستبدادي العربي لا يؤمن بالاختلاف ولا يؤمن بحرية الاختيار ولا يؤمن بأن تخرج تجربة سياسية ما عن منظوره الشمولي. بناء عليه فإن كل شعارات الإصلاح والتنمية والبناء والتغيير التي يطلقها إنما ينفضح زيفها أمام التجربة التونسية الوليدة.
ثالثها: المعطيات تتمثل في أن الثورات لم تفشل لسبب ذاتي داخلي بل أُفشلت بقوى خارجية تملك المال والإعلام والوسائل الكبيرة لبث الفوضى ونشر الخراب والاقتتال الداخلي من أجل التشريع لعودة الاستبداد. بناء عليه فإن القوى العربية وظفت ثرواتها في خدمة التخريب الداخلي لا في خدمة البناء أو حتى الحياد.
رابعا: إن خطورة فشل التجربة التونسية بعد الانقلاب المصري الدامي وبعد الكارثة السورية سيعود بالوبال على النظام الرسمي العربي نفسه. إن يأس الشعوب من التغيير السلمي ومن القدرة على إصلاح الوضع السياسي والاجتماعي في المنطقة والقضاء على شبكات الفساد سيكون مناخا ملائما لبروز منوالات التطرف والدعوة إلى العنف بشكل لن تستطيع الأنظمة العربية القمعية مجابهته. فإفشال الانتخابات والقضاء على التجارب السياسية الوليدة لا يصب في غير مصلحة أعداء الأمة ولا يخدم غير عرّابي الفوضى ومهندسي الحروب.
إن رفض النظام الرسمي العربي للتغيير سواء جاء من أعلى الهرم أو من قاعدته إنما هو دليل على أن هذا النظام بلغ نقطة اللاعودة وأنه شرع في السقوط والتآكل من الداخل.
بقلم : محمد هنيد
إن قراءة هذا الحدث تكشف جملة من المعطيات المركزية والسياقية الهامة:
أولها: أن التجربة التونسية لا تزال تؤرق المنظومة الانقلابية العربية والدولية وأنها لا تزال تمثل حجر عثرة في طريق كثير من الأنظمة العربية التي ترى في نجاحها خطرا وجوديا عليها. فنجاح التجربة التونسية سيدحض كل النظريات التي تأسس عليها النظام القمعي العربي، باعتبار الحكم الفردي هو الحاكم الوحيد الملائم للبلاد العربية. إن كل الخوف هو أن تتحول تونس إلى نموذج سياسي لبقية الدول العربية.
ثانيها: أن النظام الاستبدادي العربي لا يؤمن بالاختلاف ولا يؤمن بحرية الاختيار ولا يؤمن بأن تخرج تجربة سياسية ما عن منظوره الشمولي. بناء عليه فإن كل شعارات الإصلاح والتنمية والبناء والتغيير التي يطلقها إنما ينفضح زيفها أمام التجربة التونسية الوليدة.
ثالثها: المعطيات تتمثل في أن الثورات لم تفشل لسبب ذاتي داخلي بل أُفشلت بقوى خارجية تملك المال والإعلام والوسائل الكبيرة لبث الفوضى ونشر الخراب والاقتتال الداخلي من أجل التشريع لعودة الاستبداد. بناء عليه فإن القوى العربية وظفت ثرواتها في خدمة التخريب الداخلي لا في خدمة البناء أو حتى الحياد.
رابعا: إن خطورة فشل التجربة التونسية بعد الانقلاب المصري الدامي وبعد الكارثة السورية سيعود بالوبال على النظام الرسمي العربي نفسه. إن يأس الشعوب من التغيير السلمي ومن القدرة على إصلاح الوضع السياسي والاجتماعي في المنطقة والقضاء على شبكات الفساد سيكون مناخا ملائما لبروز منوالات التطرف والدعوة إلى العنف بشكل لن تستطيع الأنظمة العربية القمعية مجابهته. فإفشال الانتخابات والقضاء على التجارب السياسية الوليدة لا يصب في غير مصلحة أعداء الأمة ولا يخدم غير عرّابي الفوضى ومهندسي الحروب.
إن رفض النظام الرسمي العربي للتغيير سواء جاء من أعلى الهرم أو من قاعدته إنما هو دليل على أن هذا النظام بلغ نقطة اللاعودة وأنه شرع في السقوط والتآكل من الداخل.
بقلم : محمد هنيد