+ A
A -
يستعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للعودة إلى الكرملين عبر صناديق الاقتراع زعيماً وحيداً بلا منازع للاتحاد الروسي. ويجهد الغرب (الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة) لمعرفة المعادلة التي تقوم عليها هذه العودة. هل هي الخوف الروسي من الماضي، أم انه الحرص الروسي على الماضي؟.
يتمثل الخوف من عودة الماضي بنظام الاستبداد الذي كان سائداً في العهد الشيوعي. أما الحرص على العودة إلى الماضي فيتمثل في اعادة الاعتبار إلى الامبراطورية التي كانت تمتد من شرق أوروبة حتى غرب الصين. ومن القطب المتجمد الشمالي حتى المياه الدافئة في البحر المتوسط.
يلعب الرئيس بوتين على الحبلين. فعلى الرغم من انه لم يعتمد الديمقراطية المنفتحة بالمقاييس الغربية، وعلى الرغم من انه لم يفتح الأبواب والنوافذ أمام الحريات العامة بشكل مطلق، الا انه اعتمد أسلوب الانتخابات العامة للوصول إلى الكرملين. وشرّع لأحزاب المعارضة وحتى للصحافة المعارضة أيضاً. وهي مظاهر سياسية ما كان الحكم الشيوعي السابق يسمح بها.
ثم ان الرئيس بوتين أعاد الاعتبار إلى الشخصية المعنوية الروسية التي تعرضت للانتهاك على يد حلف شمال الأطلسي منذ سقوط الاتحاد السوفياتي ونتيجة لذلك السقوط المدوي. وتتمثل عملية إعادة الاعتبار في التصدي لزحف الحلف شرقاً، وفي استعادة شبه جزيرة القرم من أوكرانيا عقاباً لها على الانضمام إلى الحلف الأطلسي، وتثبيت قواعد الاسطول الروسي في البحر الأسود، امتداداً حتى شرق البحر المتوسط عبر ممر البوسفور. وهنا تبرز أهمية الصفقة العسكرية التي عقدها مع سوريا. فمقابل انقاذ رأس النظام في دمشق، حصل على قاعدتين عسكريتين، بحرية في طرطوس وجوية في حميميم، لمدة نصف قرن تقريباً. كما استعاد مواقع معنوية سياسياً وعسكرياً في كل من مصر والسودان. ولعل أهم انجازاته ذات البعد الاستراتيجي يتمثل في قدرته على استثمار أزمة العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة لاستدراج تركيا إلى التعاون مع الكرملين. وتمثل صفقة صواريخ س 300 الروسية مع تركيا عنواناً لتحول استراتيجي عميق الأثر. ولهذا التحول وجه ثان لا يقل أهمية، يتمثل في فرض قيود تركية على حركة القوات الأميركية المتواجدة في قاعدة انجرليك التركية كقوة أطلسية بعد أن كانت القاعدة مفتوحة أمامها دون قيد ولا شرط. ثم ان تركيا هي عضو في حلف الأطلسي، ويعتمد الحلف عليها لموقعها الجغرافي القريب من روسيا من جهة، ولقدرتها على تحشيد عدد كبير من القوات يفوق قدرات معظم دول الحلف الأخرى. غير ان دور تركيا في الحلف لم يعد الآن كما كان في السابق. بل لعله بدأ رحلة الألف ميل في التحول إلى دور معاكس. ذلك ان العلاقة بين الرئيسين بوتين وأردوغان تتميز بالاحترام والثقة المتبادلتين. على عكس طبيعة العلاقات بين الرئيسين اردوغان ودونالد ترامب.
تصب هذه التحولات في الحملة الانتخابية للرئيس بوتين رغم انه لا يوجد منافس حقيقي يمكن أن يشكل تحدياً جدياً له. والرسالة التي يحرص بوتين على توجيهها للغرب (الأميركي والأوروبي) تتمثل في النسبة العالية من الاصوات التي يحرص على تسجيلها رغم اعتماده الأسلوب الغربي في الانتخابات الرئاسية.
من هنا لم يعد فوز بوتين في الرئاسة يشكل عنواناً لقضية أساسية. القضية الاساسية هي ماذا بعد إعادة انتخابه؟ وأي نظام عالمي جديد سيقوم نتيجة لذلك؟.
ففي الوقت الذي يترنح فيه نظام القطبين منذ سقوط الاتحاد السوفياتي السابق، فإن نظام تعدد الأقطاب أثبت انه ليس نظاماً. ولولا الخوف، بل الذعر، من هول السلاح النووي الذي يملكه كل هؤلاء الأقطاب لفرط عقدهم منذ زمن بعيد.
وفي الوقت الذي تنكفئ الولايات المتحدة على نفسها عملاً بشعار الرئيس ترامب أميركا أولاً، وفي الوقت الذي ترفع جدران الفصل المعنوية مع العالم، وحتى المادية مع جيرانها (المكسيك)، تطرح روسيا فكرة «أوراسيا» ( أي التكامل بين أوروبة وآسيا حيث تقع روسيا في القلب). وتطرح الصين فكرة –بل مشروع- طريق الحرير، وهو مشروع يكاد لا يختلف في جوهره عن المشروع الروسي.
تصب كل هذه التحولات في مصلحة الرئيس بوتين. وتشق له طريقاً عريضاً وسهلاً إلى الكرملين. ولكن ماذا تعني هذه العودة؟.. من الواضح انها عودة إلى الشرق الأوسط.. والى البحر المتوسط. وهي في الوقت ذاته عودة إلى آسيا الوسطى.. حتى الباسيفيكي. ثم انها عودة إلى شرق أوروبة بهدف ليّ ذراع حلف شمال الأطسي.
وفي الحسابات الأخيرة هي عودة روسيا إلى الماضي.
بقلم : محمد السماك
يتمثل الخوف من عودة الماضي بنظام الاستبداد الذي كان سائداً في العهد الشيوعي. أما الحرص على العودة إلى الماضي فيتمثل في اعادة الاعتبار إلى الامبراطورية التي كانت تمتد من شرق أوروبة حتى غرب الصين. ومن القطب المتجمد الشمالي حتى المياه الدافئة في البحر المتوسط.
يلعب الرئيس بوتين على الحبلين. فعلى الرغم من انه لم يعتمد الديمقراطية المنفتحة بالمقاييس الغربية، وعلى الرغم من انه لم يفتح الأبواب والنوافذ أمام الحريات العامة بشكل مطلق، الا انه اعتمد أسلوب الانتخابات العامة للوصول إلى الكرملين. وشرّع لأحزاب المعارضة وحتى للصحافة المعارضة أيضاً. وهي مظاهر سياسية ما كان الحكم الشيوعي السابق يسمح بها.
ثم ان الرئيس بوتين أعاد الاعتبار إلى الشخصية المعنوية الروسية التي تعرضت للانتهاك على يد حلف شمال الأطلسي منذ سقوط الاتحاد السوفياتي ونتيجة لذلك السقوط المدوي. وتتمثل عملية إعادة الاعتبار في التصدي لزحف الحلف شرقاً، وفي استعادة شبه جزيرة القرم من أوكرانيا عقاباً لها على الانضمام إلى الحلف الأطلسي، وتثبيت قواعد الاسطول الروسي في البحر الأسود، امتداداً حتى شرق البحر المتوسط عبر ممر البوسفور. وهنا تبرز أهمية الصفقة العسكرية التي عقدها مع سوريا. فمقابل انقاذ رأس النظام في دمشق، حصل على قاعدتين عسكريتين، بحرية في طرطوس وجوية في حميميم، لمدة نصف قرن تقريباً. كما استعاد مواقع معنوية سياسياً وعسكرياً في كل من مصر والسودان. ولعل أهم انجازاته ذات البعد الاستراتيجي يتمثل في قدرته على استثمار أزمة العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة لاستدراج تركيا إلى التعاون مع الكرملين. وتمثل صفقة صواريخ س 300 الروسية مع تركيا عنواناً لتحول استراتيجي عميق الأثر. ولهذا التحول وجه ثان لا يقل أهمية، يتمثل في فرض قيود تركية على حركة القوات الأميركية المتواجدة في قاعدة انجرليك التركية كقوة أطلسية بعد أن كانت القاعدة مفتوحة أمامها دون قيد ولا شرط. ثم ان تركيا هي عضو في حلف الأطلسي، ويعتمد الحلف عليها لموقعها الجغرافي القريب من روسيا من جهة، ولقدرتها على تحشيد عدد كبير من القوات يفوق قدرات معظم دول الحلف الأخرى. غير ان دور تركيا في الحلف لم يعد الآن كما كان في السابق. بل لعله بدأ رحلة الألف ميل في التحول إلى دور معاكس. ذلك ان العلاقة بين الرئيسين بوتين وأردوغان تتميز بالاحترام والثقة المتبادلتين. على عكس طبيعة العلاقات بين الرئيسين اردوغان ودونالد ترامب.
تصب هذه التحولات في الحملة الانتخابية للرئيس بوتين رغم انه لا يوجد منافس حقيقي يمكن أن يشكل تحدياً جدياً له. والرسالة التي يحرص بوتين على توجيهها للغرب (الأميركي والأوروبي) تتمثل في النسبة العالية من الاصوات التي يحرص على تسجيلها رغم اعتماده الأسلوب الغربي في الانتخابات الرئاسية.
من هنا لم يعد فوز بوتين في الرئاسة يشكل عنواناً لقضية أساسية. القضية الاساسية هي ماذا بعد إعادة انتخابه؟ وأي نظام عالمي جديد سيقوم نتيجة لذلك؟.
ففي الوقت الذي يترنح فيه نظام القطبين منذ سقوط الاتحاد السوفياتي السابق، فإن نظام تعدد الأقطاب أثبت انه ليس نظاماً. ولولا الخوف، بل الذعر، من هول السلاح النووي الذي يملكه كل هؤلاء الأقطاب لفرط عقدهم منذ زمن بعيد.
وفي الوقت الذي تنكفئ الولايات المتحدة على نفسها عملاً بشعار الرئيس ترامب أميركا أولاً، وفي الوقت الذي ترفع جدران الفصل المعنوية مع العالم، وحتى المادية مع جيرانها (المكسيك)، تطرح روسيا فكرة «أوراسيا» ( أي التكامل بين أوروبة وآسيا حيث تقع روسيا في القلب). وتطرح الصين فكرة –بل مشروع- طريق الحرير، وهو مشروع يكاد لا يختلف في جوهره عن المشروع الروسي.
تصب كل هذه التحولات في مصلحة الرئيس بوتين. وتشق له طريقاً عريضاً وسهلاً إلى الكرملين. ولكن ماذا تعني هذه العودة؟.. من الواضح انها عودة إلى الشرق الأوسط.. والى البحر المتوسط. وهي في الوقت ذاته عودة إلى آسيا الوسطى.. حتى الباسيفيكي. ثم انها عودة إلى شرق أوروبة بهدف ليّ ذراع حلف شمال الأطسي.
وفي الحسابات الأخيرة هي عودة روسيا إلى الماضي.
بقلم : محمد السماك