أرسل تاجر كبير مساعده إلى دولة نامية ليرى إمكانية إنشاء مصنع للأحذية هناك، بعد شهر عاد المساعد بتقرير قال فيه:
سيدي: من المستحيل إقامة مصنع أحذية في هذا البلد، فالسكان بالأساس حُفاة ولا ينتعلون الأحذية، وفكرة بيع سلعة لا يستخدمها الناس تبدو بالنسبة لي فكرة مجنونة!
ارتأى التاجر أن يرسل مساعده الآخر في ذات المهمة إلى نفس البلد قبل أن يحزم أمره، وبعد شهر أيضاً عاد المساعد الثاني بتقرير قال فيه:
إنّ فكرة إقامة مصنع أحذية في هذا البلد تبدو لي فكرة عبقرية، يمكننا بهذا تحقيق أرباح خيالية فلم يسبقنا إلى هنا أحد والناس يتألمون كونهم حفاة، ومن المؤكد أن يُقبلوا على شراء إنتاج مصنعنا بكثرة!
لا أبالغ إذ أقول أن هذه القصة تُلخِّص سرّ الحياة بأسرها!
طبعاً إذا ما نظرنا في عمقها لا في أحداثها وشخوصها، الأمر أكبر من مساعدَين أُرسلا في مهمة، وأبعد من مصنع أحذية وتاجر يريد أن يبدأ تجارة جديدة!
يختلفُ الناس في قضية واحدة اختلافاً بيِّناً، وهذا الاختلاف دائماً لا يرجع إلى القضية نفسها وإنما إلى النظرة التي ينظر كل فرد من خلالها إلى هذه القضية، لهذا كونوا على يقين أن مواقف الناس تجاه حدث ما لا تكشف طبيعة هذا الحدث بقدر ما تكشف طباع الناس أنفسهم!
نحن عندما نغيِّر نظرتنا إلى موقف ما، تتغير مواقفنا تجاهه وقد تنقلب رأساً على عقب، والشيء بالشيء يُذكر، منذ أيام كنتُ في المسجد، وأثناء ركعتي السُّنة وأنا ساجد داس أحدهم على رأسي، ثم تمتم بكلمات لم أفهمها وابتَعَد، تضايقتُ كثيراً من الموقف ناهيك عن الألم ولكني أكملتُ ما أنا فيه، وعندما انتهيتُ عرفتُ أنّ الذي داس على رأسي رجل ضرير فقلتُ: الحمد لله الذي عافني مما ابتلى به كثيراً من خلقه… هكذا خلال ثانية تحول شعور الغضب إلى شعور شفقة ورحمة وما من سبب غير أن النظرة تغيرت!
في الجاهلية رثتْ الخنساء أخاها صخراً ردحاً من الزمن، وبكته بكاءً مُراً كاد أن يذهب ببصرها، ولم يكن أحد في جزيرة العرب يعرفها بأشهر من شعر رثائها وبكائها، حتى أنها حين وفدتْ على النبي صلى الله عليه وسلم شاهرة إسلامها، قال لها: ايه يا خُنيس، أنشديني من رثائك صخراً! ففي الجاهلية لا يوجد في الموت إلا الموت، هكذا كان ينظر القوم والخنساء معهم، ولكن الخنساء بكّاءة الجاهلية فقدت في القادسية أولادها الأربعة، فسجدت لله شكراً أن قدّمت لله فلذات أكبادها، إن الموت هو الموت، والفقد هو الفقد، ولكن عين الخنساء في الجاهلية ليست هي ذاتها عين الخنساء في الإسلام، فالإسلام العظيم حين نقل العرب تلك النقلة المذهلة لم يُغير الحياة وإنما غير نظرتهم إليها، ولما تغيرت نظرتهم إلى الحياة تحولوا من رعاة غنم إلى سادة أمم، ولهذا عندما وفد ربعي بن عامر على رستم كما ذكر ابن كثير في الجزء السابع من البداية والنهاية، سأله رستم: ما أخرجكم من دياركم؟ فقال له ربعي: جئنا لنُخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، فعين الجاهلي لم تكن ترى في الحرب إلا سلباً ونهباً وغنيمة أما عين المسلم فصارت تراها تعبيداً لطريق القرآن إلى قلوب الناس!
خلاصة القول:
أحيانا لتغيير واقع الحياة لا نحتاج أكثر من تغيير النظرة التي ننظر بها إليها!
بقلم : أدهم شرقاوي
سيدي: من المستحيل إقامة مصنع أحذية في هذا البلد، فالسكان بالأساس حُفاة ولا ينتعلون الأحذية، وفكرة بيع سلعة لا يستخدمها الناس تبدو بالنسبة لي فكرة مجنونة!
ارتأى التاجر أن يرسل مساعده الآخر في ذات المهمة إلى نفس البلد قبل أن يحزم أمره، وبعد شهر أيضاً عاد المساعد الثاني بتقرير قال فيه:
إنّ فكرة إقامة مصنع أحذية في هذا البلد تبدو لي فكرة عبقرية، يمكننا بهذا تحقيق أرباح خيالية فلم يسبقنا إلى هنا أحد والناس يتألمون كونهم حفاة، ومن المؤكد أن يُقبلوا على شراء إنتاج مصنعنا بكثرة!
لا أبالغ إذ أقول أن هذه القصة تُلخِّص سرّ الحياة بأسرها!
طبعاً إذا ما نظرنا في عمقها لا في أحداثها وشخوصها، الأمر أكبر من مساعدَين أُرسلا في مهمة، وأبعد من مصنع أحذية وتاجر يريد أن يبدأ تجارة جديدة!
يختلفُ الناس في قضية واحدة اختلافاً بيِّناً، وهذا الاختلاف دائماً لا يرجع إلى القضية نفسها وإنما إلى النظرة التي ينظر كل فرد من خلالها إلى هذه القضية، لهذا كونوا على يقين أن مواقف الناس تجاه حدث ما لا تكشف طبيعة هذا الحدث بقدر ما تكشف طباع الناس أنفسهم!
نحن عندما نغيِّر نظرتنا إلى موقف ما، تتغير مواقفنا تجاهه وقد تنقلب رأساً على عقب، والشيء بالشيء يُذكر، منذ أيام كنتُ في المسجد، وأثناء ركعتي السُّنة وأنا ساجد داس أحدهم على رأسي، ثم تمتم بكلمات لم أفهمها وابتَعَد، تضايقتُ كثيراً من الموقف ناهيك عن الألم ولكني أكملتُ ما أنا فيه، وعندما انتهيتُ عرفتُ أنّ الذي داس على رأسي رجل ضرير فقلتُ: الحمد لله الذي عافني مما ابتلى به كثيراً من خلقه… هكذا خلال ثانية تحول شعور الغضب إلى شعور شفقة ورحمة وما من سبب غير أن النظرة تغيرت!
في الجاهلية رثتْ الخنساء أخاها صخراً ردحاً من الزمن، وبكته بكاءً مُراً كاد أن يذهب ببصرها، ولم يكن أحد في جزيرة العرب يعرفها بأشهر من شعر رثائها وبكائها، حتى أنها حين وفدتْ على النبي صلى الله عليه وسلم شاهرة إسلامها، قال لها: ايه يا خُنيس، أنشديني من رثائك صخراً! ففي الجاهلية لا يوجد في الموت إلا الموت، هكذا كان ينظر القوم والخنساء معهم، ولكن الخنساء بكّاءة الجاهلية فقدت في القادسية أولادها الأربعة، فسجدت لله شكراً أن قدّمت لله فلذات أكبادها، إن الموت هو الموت، والفقد هو الفقد، ولكن عين الخنساء في الجاهلية ليست هي ذاتها عين الخنساء في الإسلام، فالإسلام العظيم حين نقل العرب تلك النقلة المذهلة لم يُغير الحياة وإنما غير نظرتهم إليها، ولما تغيرت نظرتهم إلى الحياة تحولوا من رعاة غنم إلى سادة أمم، ولهذا عندما وفد ربعي بن عامر على رستم كما ذكر ابن كثير في الجزء السابع من البداية والنهاية، سأله رستم: ما أخرجكم من دياركم؟ فقال له ربعي: جئنا لنُخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، فعين الجاهلي لم تكن ترى في الحرب إلا سلباً ونهباً وغنيمة أما عين المسلم فصارت تراها تعبيداً لطريق القرآن إلى قلوب الناس!
خلاصة القول:
أحيانا لتغيير واقع الحياة لا نحتاج أكثر من تغيير النظرة التي ننظر بها إليها!
بقلم : أدهم شرقاوي