+ A
A -
روى ابن الجوزي في أخبار الأذكياء قال:
كان عيسى بن موسى يُحبُّ زوجته حبًا شديدًا، فقال لها يومًا مازحًا: أنتِ طالق بالثلاثة إن لم تكوني أحسن من القمر!
فنهضتْ زوجته واحتجبت عنه وقالت: لقد طلقتني!
فبات ليلته في غمّ عظيم، فلما أصبح ذهب إلى أبي جعفر المنصور وكان من جلسائه، وأخبره بالخبر، ثم قال: يا أمير المؤمنين: إن تمَّ طلاقها تلفَتْ نفسي غمًا، وكان الموت أحبُّ إليَّ من الحياة! وأظهر للمنصور جزعًا شديدًا!
فأحضر المنصور الفقهاء واستفتاهم، فقال جميع من حضر: قد طلقت المرأة!
إلا رجلًا من أصحاب أبي حنيفة، فإنه سكت
فقال له المنصور: ما لك لا تتكلم؟
فقال: بسم الله الرحمن الرحيم: «لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم» فلا شيء أحسن من الإنسان!
فقال المنصورُ لعيسى بن موسى: قد فرّج الله عنكَ، والأمر كما قال، وأقم على زوجتك، وأرسل إلى الزوجة كتابًا قال فيه: إنكَ في ذمة عيسى بن موسى وما خرجتِ منها قيد أنملة، فأطيعيه!
لم آتِ بهذه القصة لأحدثكم عن أقوال المذاهب في الطلاق البائن والطلاق الرجعي، فلستُ صاحب فقه، وقد استفاض أصحاب المذاهب ومجتهديها في المسألة فجزاهم الله عنا خير الجزاء، ثم على جلالة الفقه فليست المقالات الصحفية مجاله ومضماره الذي يجري بها، ناهيك أني أعجز أن أسابق فيه، وإنما الغرض من القصة هي ظاهرة اجتماعية أغلب الظن أن جميعكم يشاهدها عيانًا، ويراها جهارًا نهارًا لكثرة ما يخوض الناس فيها، إذ تجري كلمة الطلاق على ألسنة الأزواج جري الماء، يقحمونها في كل حديث اتسع له السياق أم لم يتسع، وإننا لنسمع ذلك الزوج «الحمش» يهدد ويرعد: إذا فعلتِ كذا فأنتِ طالق، وإذا كلمتِ فلانة فأنتِ طالق، وإذا طبختِ هذه الطبخة فأنتِ طالق! وصحيح أن رأي الجمهور أن هذا يدخل في باب اليمين وكفارته، لا في باب الطلاق، ولكن الصحيح أيضًا أنه استخفاف بهذا الرباط المقدس الذي يربط الزوجين معًا!
ولو كانت الأمور تنتهي إلى هنا فالأمر يسير، ولكن الناس أوغلوا في هذا إيغالًا مستقذرًا يجب الانتباه له والإقلاع عنه، في المطعم يتسابق الأصدقاء من يدفع الحساب، وهذا أمر جميل، ولكن ما هو قبيح أن يقول أحدهم: عليّ الطلاق لا أحد غيري يدفع! وأنا ومعي أغلب سكان الكوكب لا نعرف ما علاقة الزوجة بهذا الكرم الحاتمي!
وإذا جلس الرجال يلعبون «ورق اللعب/الشدة» فحدّث ولا حرج، عليّ الطلاق لم ألعب هذه الورقة، وعليّ الطلاق لعبتَ أنتَ هذه الورقة!
يا أخي بارك الله لكم في الفضاوة وفي الوقت الذي تجدونه لهذا، ولكن إن اللواتي معكم على الطاولة هُنّ «بنات الديناري والبستوني» لا زوجاتكم، العبوا بالبنات اللواتي بين أيديكم واتركوا البنات المستورات في بيوتهن.
طبعًا أنا لا أفتي في وقوع الطلاق في هذه الحالات، لستُ من أهل الفتوى إطلاقًا كما أسلفتُ رحمني الله! ولكن الذي أقوله أن هذا استخفاف بالعلاقة الزوجية وإن كان من غير قصد، وحط من قيمة المرأة وإن كان من غير نية، وإن الألسنة بالتعود، فتعودوا أن تتركوا الزوجات وشؤونهن!
بقلم : أدهم شرقاوي
كان عيسى بن موسى يُحبُّ زوجته حبًا شديدًا، فقال لها يومًا مازحًا: أنتِ طالق بالثلاثة إن لم تكوني أحسن من القمر!
فنهضتْ زوجته واحتجبت عنه وقالت: لقد طلقتني!
فبات ليلته في غمّ عظيم، فلما أصبح ذهب إلى أبي جعفر المنصور وكان من جلسائه، وأخبره بالخبر، ثم قال: يا أمير المؤمنين: إن تمَّ طلاقها تلفَتْ نفسي غمًا، وكان الموت أحبُّ إليَّ من الحياة! وأظهر للمنصور جزعًا شديدًا!
فأحضر المنصور الفقهاء واستفتاهم، فقال جميع من حضر: قد طلقت المرأة!
إلا رجلًا من أصحاب أبي حنيفة، فإنه سكت
فقال له المنصور: ما لك لا تتكلم؟
فقال: بسم الله الرحمن الرحيم: «لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم» فلا شيء أحسن من الإنسان!
فقال المنصورُ لعيسى بن موسى: قد فرّج الله عنكَ، والأمر كما قال، وأقم على زوجتك، وأرسل إلى الزوجة كتابًا قال فيه: إنكَ في ذمة عيسى بن موسى وما خرجتِ منها قيد أنملة، فأطيعيه!
لم آتِ بهذه القصة لأحدثكم عن أقوال المذاهب في الطلاق البائن والطلاق الرجعي، فلستُ صاحب فقه، وقد استفاض أصحاب المذاهب ومجتهديها في المسألة فجزاهم الله عنا خير الجزاء، ثم على جلالة الفقه فليست المقالات الصحفية مجاله ومضماره الذي يجري بها، ناهيك أني أعجز أن أسابق فيه، وإنما الغرض من القصة هي ظاهرة اجتماعية أغلب الظن أن جميعكم يشاهدها عيانًا، ويراها جهارًا نهارًا لكثرة ما يخوض الناس فيها، إذ تجري كلمة الطلاق على ألسنة الأزواج جري الماء، يقحمونها في كل حديث اتسع له السياق أم لم يتسع، وإننا لنسمع ذلك الزوج «الحمش» يهدد ويرعد: إذا فعلتِ كذا فأنتِ طالق، وإذا كلمتِ فلانة فأنتِ طالق، وإذا طبختِ هذه الطبخة فأنتِ طالق! وصحيح أن رأي الجمهور أن هذا يدخل في باب اليمين وكفارته، لا في باب الطلاق، ولكن الصحيح أيضًا أنه استخفاف بهذا الرباط المقدس الذي يربط الزوجين معًا!
ولو كانت الأمور تنتهي إلى هنا فالأمر يسير، ولكن الناس أوغلوا في هذا إيغالًا مستقذرًا يجب الانتباه له والإقلاع عنه، في المطعم يتسابق الأصدقاء من يدفع الحساب، وهذا أمر جميل، ولكن ما هو قبيح أن يقول أحدهم: عليّ الطلاق لا أحد غيري يدفع! وأنا ومعي أغلب سكان الكوكب لا نعرف ما علاقة الزوجة بهذا الكرم الحاتمي!
وإذا جلس الرجال يلعبون «ورق اللعب/الشدة» فحدّث ولا حرج، عليّ الطلاق لم ألعب هذه الورقة، وعليّ الطلاق لعبتَ أنتَ هذه الورقة!
يا أخي بارك الله لكم في الفضاوة وفي الوقت الذي تجدونه لهذا، ولكن إن اللواتي معكم على الطاولة هُنّ «بنات الديناري والبستوني» لا زوجاتكم، العبوا بالبنات اللواتي بين أيديكم واتركوا البنات المستورات في بيوتهن.
طبعًا أنا لا أفتي في وقوع الطلاق في هذه الحالات، لستُ من أهل الفتوى إطلاقًا كما أسلفتُ رحمني الله! ولكن الذي أقوله أن هذا استخفاف بالعلاقة الزوجية وإن كان من غير قصد، وحط من قيمة المرأة وإن كان من غير نية، وإن الألسنة بالتعود، فتعودوا أن تتركوا الزوجات وشؤونهن!
بقلم : أدهم شرقاوي