يعرف العرب منذ قديم الأزمنة بأنهم يتمتعون بلسان طليق، وبأنهم في الوقت ذاته شديدو التأثر بالكلمة، لهذا السبب قال أهل البلاغة القدماء: «لكل مقام مقال»، وجعلوا هذه العبارة قاعدة في التخاطب والتواصل بين البشر، تقود مخالفتها إلى عواقب لا تحمد عقباها.
يخبرنا التاريخ عن أحداث عديدة حصلت بين شعراء العصر الأموي وخلفائه على سبيل المثال لا الحصر، لم يدرك فيها الشاعر مكانة الخليفة ومقامه، فألقى أبياتاً من الشعر دون حسبان، ليحصد نتاج ذلك ردود فعل تسوؤه. أما علماء الاجتماع فيؤكدون على أن قوة الكلمة يمكن أن تعادل أو تفوق أي قوة على وجه الأرض؛ فالكلمة سلاح فتاك، تستطيع أن تلمس الوجدان، وتحرك مشاعر الناس؛ فتصنع حضارة أو تحدث حرباً، تطيح حكماً أو تبني صرحاً، ترفع شخصاً أو تحط من قيمة آخر.وإن كان الموت مصير كل إنسان في النهاية، فإن الكلمة لا تموت، بل يبقى أثرها حاضراً في ذاكرة الأجيال المتعاقبة. وخير مثال على ذلك قصائد الهجاء والمدح العربية التي أصبحت جزءاً من تاريخ الأمة العربية حتى يومنا هذا، وإلى آخر الدهر.
إن الكلمة أداة محركة ومؤثرة، وخلاصة فكر إنساني. لهذا كان وما يزال لها أثر بالغ في حياتنا بجميع مناحيها من أدب وفن وغير ذلك. حيث كانت الكلمة الجميلة على الدوام ذات أثر كبير في الإنسان العربي، متمثلة في الاحتفاء بالشعر الذي نهتز طرباً عند سماعه، وفي الأدب الذي ما نزال نغوص في ثنايا عالمه الأثيري.
وفي واقعنا اليومي، تلعب الكلمات دوراً كبيراً في حياتنا. فما تقوله للآخرين يمكن أن يغير شكل حياتهم كلياً، وما يقال لك يمكن أن يؤثر فيك بشدة. لهذا لا غرابة عندما ترى إنسان يحبط تماماً عندما يتعرض لنقد لاذع مستمر من المحيط الخارجي، وآخر يرتقي نحو القمة لأنه محاط بأشخاص يشجعونه بالكلمات الطيبة على الدوام. لهذا كله، أحط نفسك دائماً بالأشخاص الداعمين الذين إذا تحدثوا إليك، أغدقوا عليك بعبارات التشجيع الصادق، والتحفيز النابع من القلب؛ فلقد أثبتت الدراسات أن معظم الناجحين يحيطون أنفسهم بأشخاص يدعمون طريقهم إلى النجاح، ويكونون أحد الأسباب الرئيسية في وصولهم إلى ما يطمحون إليه.
يقول المثل: «من عاشر القوم أربعين يوماً صار منهم». هذا يعني أنك إذا أحطت نفسك بالفاشلين، والمتشائمين، والحاسدين؛ فإنك ستصبح مثلهم مع الوقت، وستجد نفسك متأخراً عن الركب. بينما لو أحطت نفسك بالناجحين، والمتفائلين، والذي يتمنون الخير للآخرين؛ فستغدو شخصاً ناجحاً ومتفائلاً يتمنى الخير للجميع مثلهم. يحكى أن مخترع المصباح «توماس أديسون»، تعرض إلى كلمات سيئة من المحيط الخارجي في طفولته، فوصفه أستاذه مثلاً بالغباء وبأنه غير صالح للمدرسة. بيد أن والدته المحبة التي قررت تعليمه في المنزل، كانت تخبره دائماً بأنها تتوقع أنه سيصير في المستقبل ذا شأن عظيم؛ الأمر الذي بعث الدافع في قلب توماس، وجعله يرغب بشدة في أن يكون شخصاً متميزاً يحاكي تطلعات أمه؛ فكان له ما يريد.
إن السموم في هذا العالم كثيرة، لكنها لا تقتصر على السموم المادية، بل تتخطى ذلك إلى السموم المعنوية التي تطال الجانب النفسي من حياة الإنسان؛ فتنهك قواه، وتستنزف طاقاته، وتجعل أيامه تتلبد بغيوم الحزن.كلنا نعرف أن هناك سماً يوضع في الطعام أو الشراب، بيد أنه في المقابل هناك سم أقوى أثراً يوضع في كلام بعض المتحدثين. وكم من أشخاص في حياتنا يدسون السم في العسل من ألسنتهم التي تنقط قطراناً أسود، يشبه سواد أفئدتهم المعتمة. فاحذر ممن لا يخافون الله في صبحهم وعشيتهم، ممن لا يخافون الخالق في خلقه، فلا يردعهم شيء أو أحد عن التسبب في أذية الآخرين. وأحط نفسك على الدوام بأصحاب القلوب البيضاء، الذين يخافون الله، ويتمنون الخير للكل، وإذا تحدثوا فاضت ألسنتهم بأطيب الكلام.