ارتقت روحه في يوم مبارك.. وصعدت مع الآلاف من أرواح شهداء معركة العزة.. كما أراد، مما خفف وطء رحيل هذا الزميل السمح السموح صاحب القفشات الساخرة «هاشم كرار»، لاستحضر اللحظات الأولى للقائنا عام 1996 في بلاط الوطن وأذكره بمقالة له عن الفدائية اللبنانية سناء المحيدلي المولودة في عنقون، حيث اقتحمت صباح يوم الثلاثاء 9 نيسان 1985، وهي في السابعة عشرة من عمرها بسيارة بيجو 504 بيضاء اللون ومفخخة بأكثر من 200 كلغ من الـ "تي ان تي"، تجمعاً لآليات جيش الاحتلال الإسرائيلي على معبر باتر– جزين، مفجرة نفسها وسط التجمع، واستحق هاشم على ذلك المقال تكريما فخماً من الناشر علي بن سلطان المعاضيد.
كر وفر من الشمال إلى الوسط ومن الوسط إلى اليسار عانق ماركس ولينين وسار في ركب عبدالخالق محجوب مؤسس الشيوعية السودانية ووقف مع جعفر نميري، وثار عليه مع هاشم عطا والاثنان أعدمهما نميري الذي لم يكن يوما شيوعيا، وقد استغله الحزب للوصول إلى السلطة.
الزميل فر إلى هيلاميريام في بلاد إثيوبيا ثم إلى إريتريا ليستقر به المقام في الدوحة صحفيا في صحيفة أصدرها رجل الأعمال علي بن سلطان. ثم يعود إلى السودان عام 1986 ليعود إلى الدوحة صحفيا في الوطن عام 1996 لنلتقي في بلاط الوطن والتي استقدمنا إليها الأستاذ أحمد علي، أطال الله في عمره.. وكان الأستاذ أبو علي اذا شعر بضجر يذهب إلى الديسك ليوسع صدره مع قفشات هاشم.
الزميل هاشم كرار.. الذي غادر قطر بعد انتهاء عمله بـ الوطن عام 2017.. صحفي من الطراز الأول، صاحب قلم رشيق.. ينتزع منك البسمة حتى وهو يتقبل التعازي أو يقدمها.
عمل في ديسك الوطن ردحاً من الزمن.. وتولى قيادته فترة.. مقاله ساخر.. يشدك إليه.
جاءني صوته من الديار المقدسة.. ظننته في مهمة صحفية، فقد استبعدت أن يكون قد ذهب للحج من الخرطوم.
قال: لقد منّ الله عليّ بأداء الفريضة.. فسألته وبالهداية.. قال أنا مهتدٍ وليس على طريقة المهدي أو الترابي وأنا في الطريق إلى عرفة.. لكي أؤدي فريضة الحج، وقد بلغت من العمر عتيا.. الحمد لله.. وقد أسكنوا السودانيين في العزيزية مقر سكن حملات الحج القطرية.. وأشتم رائحة قطر الجميلة هنا.. وأتنفس من روح جلال الدين الرومي.
هنيئا لقد اصطفاك الله فابتلاك فصبرت، فاختارك حاجا تقيا مصليا موحدا، وتركت أعمالك كلها في عباءة محبي السودان.