كان هناك خيط فاصل مهم لدول المجلس الخليجي، في علاقتها الداخلية بشعوبها، لعب دوراً كبيراً في انعطافات الأزمة الخليجية الصعبة جداً، وآخرها التصعيد على الأسر المشتركة، وتعميق قطع الأرحام وزيادة معاناتهم، وهو أمرٌ مروع لكل نفس شهمة، ومستغرب في دوافعه المتجددة، ولكن يلاحظ المراقب الخليجي، قضية الوضع الداخلي بين كتلتي دول المجلس، المنقسمة في الأزمة.
بمعنى دول المحور التي استدعت نظام السيسي، ليدعم موقفها المحاصر لقطر، بكل ما فيه من شراسة سياسية واجتماعية وإعلامية، ودول الاعتدال، التي تمسكت بأن الحل عند أي خلاف، لا يجوز أن ينتقل لهذا النوع من القطيعة والاستهداف، والتحريض لإسقاط النظام السياسي واستباحة سيادته، وإنما بالحوار السلمي، لأعضاء المجلس المشترك، وهو الموقف الذي قادته الكويت.
وهنا لابد من التأكيد، أن هذا الفارق لا نزعم فيه توفر المساحة الديمقراطية، أو المشاركة الشعبية أو الحرية السياسية بالمستوى المقبول، لكلا التكتلين، فواقع دول المجلس لايزال بعيداً، عن تمثيل كامل لإرادة الشعب، ولكن مع ذلك مثل فالفارق الموجود، مساحته مهمة بين التكتلين، والجانبين المؤثرين في الفارق، أن الكويت وعمان وقطر، أكثر استقراراً اجتماعياً، من دول المحور، وأن هناك هامشاً في التعبير يزيد وينقص، خاصة في الشأن الخارجي المخالف لموقف الدولة الرسمي.
فالكويت التي مارست هامشاً أو مساحة ديمقراطية منذ عقود، وإن وجد مأزق حالٍ مع المعارضة، غير أن اندماج الموقف الوطني، بين الدولة وكل شرائح الشعب، وطائفتيه السُنَّية والشيعية، كان واضحاً حتى اليوم.
رغم قضية السجن الأخيرة لقيادات المعارضة، والتي مرجح أن يصدر فيها تسوية، لضرورة الأمر لمصلحة الكويت العليا، والتي تُفهم عبر دعم المعارضة غير المشروط، الذي اصطف مع موقف الشيخ صباح، في أزمة الخليج ووساطته، خاصة عندما تم التعرض لشخصه وبعض أبناء عمومته، عن عمد.
هذا الاستقرار الاجتماعي تكرر في عُمان، عبر سياسة السلطان قابوس التي بدأها منذ عقود، وعملت مؤخراً خلال الربيع العربي، على احتواء حركة المطالب الشبابية التي طالبت بتعزيز المشاركة الشعبية، وطوي الملف الأمني بهدوء، وبتأمين السلم الاجتماعي المدني، وهو ما جرى عند إطلاق سراح الشباب، إضافة للانسجام الاجتماعي الديني، الذي تعزز بين العمانيين وصمد.
والقناعة الشعبية بأن حياد مسقط، بغض النظر عن تفصيله في نظرة المراقب المستقل، قد حقق لعمان موضعاً مهماً، في ظل رياح الخليج العاصفة، التي أصبح عليها الناس في أزمة الخليج، فذكرتهم بمواقف أخرى، حصل عليها جدل بين دول المحور وبين عمان، في قمم خليجية ماضية.
وفي ما يتعلق بقطر، فإن الرفاه الاقتصادي، والتراحم الاجتماعي، والحيوية والود المتدفق، في علاقة الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بشعبه، وتركيزه على البنية الوطنية الداخلية، في مشاريع عدة، ساهم في هذا الاصطفاف والاندماج الوطني.
ولعل أن الدرس المؤلم لخذلان الأشقاء، والفائدة فيها، قد برزت من خلال طرح التوجه لاستراتيجية المراجعة مستقبلاً، الذي لا يدشن عادة في أوان الأزمة، لإعادة صناعة مشروع الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الأمير الوالد، ضمن النهضة الحديثة، في مشاريع ثقافية عدة، منها قناة الجزيرة، وإعادة خطابها المحفز للحضارة والهوية معاً، وتعزيزه في مضمار النهضة العربية والقيم الحرة، والمهنية غير العاطفية.
أو في مشاريع داخلها الوطني، وما يستبق انتخابات مجلس الشورى، لعدم تكرار بقاء وضعها الإقليمي في التجربة المرة، بعد ما واجهته، فتعزز جبهتها الداخلية ويعزز السلم مع دول المجلس ذاتها، لكن عبر توازن استراتيجي جديد كلياً، لا يربط شخصيتها القومية بالمملكة العربية السعودية ولا غيرها، وإنما بالفكر الإسلامي والعروبة الأخلاقية، وحسن الجوار الاجتماعي لأهل الخليج.
هنا نعيد التأكيد من جديد، أن جزءاً أصيلاً، بل هو المركز من الأزمة الخليجية، هو في غياب المشاركة الشعبية والحوار الوطني والإصلاح، وامتلاء السجون من المعتقلين السياسيين، واليوم إن كان بقي مساحة زمن للإنفاذ، فالأولى في كل الدول وخاصة المحتقنة سياسياً واجتماعياً، أن تصحح موقفها الذاتي مع شعوبها.
وقد وضح أن مساحة الاحتقان كبيرة جداً في دول المحور، خاصة في السعودية، ومؤشر تدهور صحة الشيخ سلمان العودة، في السجن السياسي، خطير للغاية، ولذلك تصحيح أخطائهم في أزمة الخليج، وطي صفحة الاشتباك مع قطر، مع إصلاح سياسي فوري، هو الحل اليوم لمستقبلهم.
فماذا عن بقية دول المحور، ما هي أسئلة الشك الكبيرة التي ستدور لديها، بعد طي الأزمة، وقد لاحظنا بروز قضية التجنيس السياسي في البحرين، على سبيل المثال بقوة، وقلق الحالة السنية وشخصيات حكومية من تأثيراتها، بعد أن كانت محصورة لدى المعارضة الشيعية.
أليست هذه القضية، على سبيل المثال، كان من المهم أن تأخذ حيزاً من الاهتمام، بدلاً من الاشتباك مع قطر، الذي أنهى حلم مشروع اقتصادي، كان من الممكن أن يتحقق لشراكة استراتيجية، في جزيرة حوار بين الاقتصاد القطري، والاقتصاد البحريني تجمع رأس المال والأيدي العاملة البحرينية، وتستفيد الأسر البحرينية واقتصاد كلا الدولتين؟!
ما هو مستقبل الإمارات، مستقبل اتحادها، ومواجهتها الشرسة ضد الإصلاحيين الإسلاميين والديمقراطيين، من أبنائها، وتقارير السجون والمطاردة لهم ولأسرهم، وتوتراتها الإقليمية الضخمة، ما هو موقف المملكة العربية السعودية، كدولة إقليمية مركزية، أُنهكت رحلتها السياسية، في الأزمة الخليجية وما صاحبها من اشتباكات مع لبنان والجزائر وفلسطين، وتوتر داخلي أثّر على سمعتها السياسية؟!
إن المجلس لم يعد كياناً يمثل دولاً ذات أهداف قومية مشتركة، بل دول ذات عداءات تاريخية حساسة، ولذلك فإن واقع المجلس اليوم ضعيف، ولن تنتظر التسويات الإقليمية موقفه، وحتى الرهان على بقاء الخلاف المصري التركي، ليس رهاناً صامداً، فكلا الدولتين الإقليميتين، لهما مصالح في طي الصفحة السابقة، بغض النظر عن مستقبل حركة وأحلام ثورة يناير.
فأنقرة والقاهرة، بسامي عنان المعتقل، أو السيسي المستبد ما بعد الانتخابات، قد تواصلان مد الجسور، ولقد قلت سابقاً رغم تأثير الرياض وأبوظبي، غير أن هناك عقيدة سياسية وعسكرية، مرتبطة بالمصالح، تعيد القاهرة إلى نوع من التوازن، الذي لا يؤثر على قمعها للمعارضة، ولا شيء يضمن للمجلس الخليجي في مستقبلها، خاصة أن جغرافيا هذا المجلس، لا يعرف متى يهب عليها ريح الخريف الأخير.
بقلم : مهنا الحبيل
بمعنى دول المحور التي استدعت نظام السيسي، ليدعم موقفها المحاصر لقطر، بكل ما فيه من شراسة سياسية واجتماعية وإعلامية، ودول الاعتدال، التي تمسكت بأن الحل عند أي خلاف، لا يجوز أن ينتقل لهذا النوع من القطيعة والاستهداف، والتحريض لإسقاط النظام السياسي واستباحة سيادته، وإنما بالحوار السلمي، لأعضاء المجلس المشترك، وهو الموقف الذي قادته الكويت.
وهنا لابد من التأكيد، أن هذا الفارق لا نزعم فيه توفر المساحة الديمقراطية، أو المشاركة الشعبية أو الحرية السياسية بالمستوى المقبول، لكلا التكتلين، فواقع دول المجلس لايزال بعيداً، عن تمثيل كامل لإرادة الشعب، ولكن مع ذلك مثل فالفارق الموجود، مساحته مهمة بين التكتلين، والجانبين المؤثرين في الفارق، أن الكويت وعمان وقطر، أكثر استقراراً اجتماعياً، من دول المحور، وأن هناك هامشاً في التعبير يزيد وينقص، خاصة في الشأن الخارجي المخالف لموقف الدولة الرسمي.
فالكويت التي مارست هامشاً أو مساحة ديمقراطية منذ عقود، وإن وجد مأزق حالٍ مع المعارضة، غير أن اندماج الموقف الوطني، بين الدولة وكل شرائح الشعب، وطائفتيه السُنَّية والشيعية، كان واضحاً حتى اليوم.
رغم قضية السجن الأخيرة لقيادات المعارضة، والتي مرجح أن يصدر فيها تسوية، لضرورة الأمر لمصلحة الكويت العليا، والتي تُفهم عبر دعم المعارضة غير المشروط، الذي اصطف مع موقف الشيخ صباح، في أزمة الخليج ووساطته، خاصة عندما تم التعرض لشخصه وبعض أبناء عمومته، عن عمد.
هذا الاستقرار الاجتماعي تكرر في عُمان، عبر سياسة السلطان قابوس التي بدأها منذ عقود، وعملت مؤخراً خلال الربيع العربي، على احتواء حركة المطالب الشبابية التي طالبت بتعزيز المشاركة الشعبية، وطوي الملف الأمني بهدوء، وبتأمين السلم الاجتماعي المدني، وهو ما جرى عند إطلاق سراح الشباب، إضافة للانسجام الاجتماعي الديني، الذي تعزز بين العمانيين وصمد.
والقناعة الشعبية بأن حياد مسقط، بغض النظر عن تفصيله في نظرة المراقب المستقل، قد حقق لعمان موضعاً مهماً، في ظل رياح الخليج العاصفة، التي أصبح عليها الناس في أزمة الخليج، فذكرتهم بمواقف أخرى، حصل عليها جدل بين دول المحور وبين عمان، في قمم خليجية ماضية.
وفي ما يتعلق بقطر، فإن الرفاه الاقتصادي، والتراحم الاجتماعي، والحيوية والود المتدفق، في علاقة الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بشعبه، وتركيزه على البنية الوطنية الداخلية، في مشاريع عدة، ساهم في هذا الاصطفاف والاندماج الوطني.
ولعل أن الدرس المؤلم لخذلان الأشقاء، والفائدة فيها، قد برزت من خلال طرح التوجه لاستراتيجية المراجعة مستقبلاً، الذي لا يدشن عادة في أوان الأزمة، لإعادة صناعة مشروع الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الأمير الوالد، ضمن النهضة الحديثة، في مشاريع ثقافية عدة، منها قناة الجزيرة، وإعادة خطابها المحفز للحضارة والهوية معاً، وتعزيزه في مضمار النهضة العربية والقيم الحرة، والمهنية غير العاطفية.
أو في مشاريع داخلها الوطني، وما يستبق انتخابات مجلس الشورى، لعدم تكرار بقاء وضعها الإقليمي في التجربة المرة، بعد ما واجهته، فتعزز جبهتها الداخلية ويعزز السلم مع دول المجلس ذاتها، لكن عبر توازن استراتيجي جديد كلياً، لا يربط شخصيتها القومية بالمملكة العربية السعودية ولا غيرها، وإنما بالفكر الإسلامي والعروبة الأخلاقية، وحسن الجوار الاجتماعي لأهل الخليج.
هنا نعيد التأكيد من جديد، أن جزءاً أصيلاً، بل هو المركز من الأزمة الخليجية، هو في غياب المشاركة الشعبية والحوار الوطني والإصلاح، وامتلاء السجون من المعتقلين السياسيين، واليوم إن كان بقي مساحة زمن للإنفاذ، فالأولى في كل الدول وخاصة المحتقنة سياسياً واجتماعياً، أن تصحح موقفها الذاتي مع شعوبها.
وقد وضح أن مساحة الاحتقان كبيرة جداً في دول المحور، خاصة في السعودية، ومؤشر تدهور صحة الشيخ سلمان العودة، في السجن السياسي، خطير للغاية، ولذلك تصحيح أخطائهم في أزمة الخليج، وطي صفحة الاشتباك مع قطر، مع إصلاح سياسي فوري، هو الحل اليوم لمستقبلهم.
فماذا عن بقية دول المحور، ما هي أسئلة الشك الكبيرة التي ستدور لديها، بعد طي الأزمة، وقد لاحظنا بروز قضية التجنيس السياسي في البحرين، على سبيل المثال بقوة، وقلق الحالة السنية وشخصيات حكومية من تأثيراتها، بعد أن كانت محصورة لدى المعارضة الشيعية.
أليست هذه القضية، على سبيل المثال، كان من المهم أن تأخذ حيزاً من الاهتمام، بدلاً من الاشتباك مع قطر، الذي أنهى حلم مشروع اقتصادي، كان من الممكن أن يتحقق لشراكة استراتيجية، في جزيرة حوار بين الاقتصاد القطري، والاقتصاد البحريني تجمع رأس المال والأيدي العاملة البحرينية، وتستفيد الأسر البحرينية واقتصاد كلا الدولتين؟!
ما هو مستقبل الإمارات، مستقبل اتحادها، ومواجهتها الشرسة ضد الإصلاحيين الإسلاميين والديمقراطيين، من أبنائها، وتقارير السجون والمطاردة لهم ولأسرهم، وتوتراتها الإقليمية الضخمة، ما هو موقف المملكة العربية السعودية، كدولة إقليمية مركزية، أُنهكت رحلتها السياسية، في الأزمة الخليجية وما صاحبها من اشتباكات مع لبنان والجزائر وفلسطين، وتوتر داخلي أثّر على سمعتها السياسية؟!
إن المجلس لم يعد كياناً يمثل دولاً ذات أهداف قومية مشتركة، بل دول ذات عداءات تاريخية حساسة، ولذلك فإن واقع المجلس اليوم ضعيف، ولن تنتظر التسويات الإقليمية موقفه، وحتى الرهان على بقاء الخلاف المصري التركي، ليس رهاناً صامداً، فكلا الدولتين الإقليميتين، لهما مصالح في طي الصفحة السابقة، بغض النظر عن مستقبل حركة وأحلام ثورة يناير.
فأنقرة والقاهرة، بسامي عنان المعتقل، أو السيسي المستبد ما بعد الانتخابات، قد تواصلان مد الجسور، ولقد قلت سابقاً رغم تأثير الرياض وأبوظبي، غير أن هناك عقيدة سياسية وعسكرية، مرتبطة بالمصالح، تعيد القاهرة إلى نوع من التوازن، الذي لا يؤثر على قمعها للمعارضة، ولا شيء يضمن للمجلس الخليجي في مستقبلها، خاصة أن جغرافيا هذا المجلس، لا يعرف متى يهب عليها ريح الخريف الأخير.
بقلم : مهنا الحبيل