+ A
A -
يُحكى أنَّ الوالي أراد رفع سعر السُّكر... فهو سلعة لا يستغني عنها الناس، ورفع سعرها يدرُّ دخلاً موفوراً لخزينة مولانا، ولكنه خشي أن يثور الشعب، عندها قال له كبير المستشارين: سيدي الوالي: دع الأمر لي!
بثَّ كبير المستشارين إشاعة أنّ الوالي سيرفع أسعار السكر واللحم والزيت والأرز بنسبة خمسين بالمائة لكل صنف وذلك لدعم ميزانية الدولة المتهالكة!
هاج الناس وماجوا، فقال الوالي لمستشاره: ما الذي فعلته أيها الأحمق؟!
قال المستشار للوالي: انتظر أسبوعاً وسترى!
بثَّ المستشار إشاعة أخرى أنَّ هذه الفكرة لم تكن فكرة الوالي وإنما فكرة مستشاريه، وأن مولانا يقلِّبُ الأمور ولم يتخذ قراره بعد!
فصار الناس يقولون: ضريبة على أربع سلع، ليتَ مولانا يكون بنا رحيماً ويرفض نصيحة مستشاريه
عندها قال المستشار للوالي: الآن دعني أصوغ القرار باسمك
فكتب: بعد تفكير عميق قررتُ أنا والي البلاد أن لا أستمع لمستشاريي السوء الذين يريدون إثقال كاهل رعيتنا المطيعة بالضرائب، وقد اكتفينا برفع سعر السكر فقط! أما بقية السلع فستبقى على سعرها القديم!
وهكذا أصبح الناس يدعون لولي الأمر بطول العمر!
لا يكاد يوجد بلد عربي إلا ويئن الناس فيه تحت وطأة الضرائب، وهم محقون بالمناسبة، والذين يقارنون حجم الضرائب في بلادنا مع حجم الضرائب في أوروبا مثلاً، ويثبتون بالأرقام أنهم يدفعون أكثر منا يشبهون مستشاري الوالي في قضية رفع أسعار السكر أعلاه! ذلك أنهم لا يقارنون الخدمات التي نحصل عليها مقابل ما يحصلون عليه! فهم يدفعون الضرائب مقابل خدمات حقيقية في الصحة والتعليم والمواصلات والاتصالات، ونحن ندفعها بما يشبه الأتاوة في ظل سياسة دبِّر نفسك التي تنتهجها الحكومات العربية!
لستُ ضد الضرائب من حيث الفكرة، ولكني ضدها من حيث أننا ندفعها كعقوبة لنا على سوء إدارتهم! لأنني على يقين أنه لا يوجد بلد عربي إلا وفيه من الموارد ما يكفي ليكون جنة ولكن سوء الإدارة هي التي جعلته جهنماً! فعلى سبيل المثال لا الحصر:
لا أحد في هذا العالم يمكنه أن يفسر لماذا على بلد يمخره نهر النيل مئات الكيلومترات أن يستورد القمح، ولا بلد يُصدر الثروات المعدنية والطاقة أن يعاني عجزاً كبيرا في الموازنة على الناس سده، ولا بلد مساحته اثنان ونصف مليون كلم صالحة كلها للزراعة أن يرفع ثمن الخبز! لا شيء يُفسِّر هذا سوى سوء الإدارة، والفساد المستشري، واللصوصية التي تمخر البلاد، وإلا فاليابان لا تملك من الموارد أكثر مما يملكه أفقر بلد عربي، ولكن يوسف عليه السلام أثبتَ منذ آلاف السنين أن الفكرة تكمن في الإدارة لا غير، وكي لا يحتجّ أحد عليَّ بنبوته عليه السلام، أقول: مهاتير محمد ليس نبياً، وانظروا ما الذي فعله في اقتصاد بلده!
الأسوأ من هذا كله أنهم يحاولون أن يقنعوك أنك إذا لم تدفع فأنتَ ضد مصلحة الوطن، لا يا عزيزي، الوطن شيء والحكومة شيء آخر، الوطن على صواب دوماً أما الحكومة فمن الممكن أن تكون على خطأ! ثم إننا جميعاً ندفع نهاية المطاف بعد أن نردح دون أن يسمع لنا أحد، فلا بأس خذوا أموالنا ولكن لا تحاسبونا على هذا الردح، نحن والله نحبُّ أوطاننا!.
بقلم : أدهم شرقاوي