+ A
A -
لم يكن توافق واشنطن مع الدور الإيراني وليداً للاتفاق الأخير، وسابق بفترة طويلة، على نزعة واشنطن التي ظهرت مؤخراً كرضى ودعم لحصار الروس وطهران للثورة السورية وسحقها ميدانيا، فهو قديم وعميق حتى في نظرية الأمن الإسرائيلي التي أسقطت بغداد.
ففي سبتمبر 2010 قال الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، أنه لا دوافع لدى تل أبيب لحرب ضد إيران وأنه يعارض مثل هذا التوجه للمرحلة السياسية القادمة.
وقد تزامن هذا الإعلان مع تصريح لمصدر إيراني في ذلك التاريخ، أكد أن لا اعتراض لطهران على نسخة الاتفاقية الأمنية بين حكومة المالكي وواشنطن، وهي نموذج صارخ لإدارة الميلشيا الطائفية حكومة مركزية في بغداد، دعمتها واشنطن طويلا، ولكن سقوط الموصل أنهاها.
وقد ذكرنا مراراً أن واشنطن لا تتخلى عن أطماعها الاستراتيجية التي يعتمدها النظام السياسي الأميركي في أصل فلسفته، وخاصة مع عودة الروس للعِبِ دور محوري مختلف عن العهد السابق، الذي أعقب سقوط الاتحاد السوفياتي وصعود الصين المطرد.
فيكفي أن نعود إلى الوراء مع أصل الاتفاق بين القطبين، على إسقاط بغداد والمشاركة العملية لطهران مخابراتيا، أو من خلال فصائلها، ثم دعم العملية السياسية التي تزامنت مع الاحتلال، فطهران كانت تدرك بلا شك بأن حصيلة هذه الحرب لا يمكن أن تنصرم دون وجود عسكري استراتيجي أميركي، وعلى الأقل قواعد دائمة، وبالتالي إن مسألة القبول الأولي كانت محسومة، وفقا لهذا السيناريو الحتمي في مآلات حرب اسقاط بغداد.
كما أن هذا التوافق عاد في عملية كشف ظهر صحوات العراق، وهو ما كان يُصّر عليه الطرف الإيراني بعد أن استهلكت مهمتها في 2007 وخدعهم الرئيس الأميركي جورج بوش ثم قدمهم للإيرانيين.
وهو ما جعل حرب تصفية الصحوات تشتعل لمصلحة التوافق الأميركي الإيراني، بأيدي الميلشيات أو القاعدة التي أُفسح لها المجال في حينه، وهو ما يُراد تكراره في الموصل مستقبلا ومناطق أخرى، لو وُرطت العشائر السنية، مع تعقد وضع العراق العربي بغياب أي غطاء مستقل لمحور عربي خارج القطبين، وهو المنتفي اليوم عمليا بكل تأكيد.
وكان دافع قرار تصفية الصحوات، خشيةً من أن تُشكل هذه المجموعات مستقبلاً، عامل تغيير للتوازن الذي أحدثه الاحتلال طائفيا وسياسيا، ولمنع المدنيين السُنة من الاستفادة من هذه المجموعات مستقبلا لحماية مناطقها.
وعليه فان واشنطن وطهران أمس واليوم، تمنعان اضطراب المعادلة، الذي يفسح المجال أمام أي قوى سنية عراقية عسكرية وسياسية، قد تتقدم لتملأ الفراغ، وتكتفي بتوظيفها موسميا، لأنه يشكل خطرا على أحزاب الاحتلال وعمليته السياسية، فتعود واشنطن للعبة التوافق مع طهران وتثبيت الوضع بقواعد الاحتلال السياسي.
إن كل التحضيرات لمعركة الموصل تتوجه صوب هذا الهدف، وهو اجتياح المدينة السنية الكبرى، والعمق الاجتماعي الأخير للعراق العربي، مستثمرة هيمنة داعش وإرهابه عليها، وعدم التحرك لمواجهة هذا المشروع، الذي ستُطلق فيه واشنطن الحشد الشعبي الطائفي عاجلاً أم آجلاً، لتنفيذ أكبر عملية تأديب للعرب السنة، وضمان عدم تهديدهم مصالح واشنطن ومصالح إيران.
يغيب المشهد العربي، الذي كان من الممكن جداً أن ينسق مع تركيا، بموقف ضاغط على الغرب، فيؤخر هذا الاجتياح، ويُنظم وضع المدنيين فيه، والشرطة المحلية المستقلة عن حكومة العبادي الطائفية بعد خروج داعش، بإشراف تركي سعودي، وهي معادلة صعبة أمام هيمنة داعش، ولكن في أي حال يجب ألا تترك الموصل بين إرهابيي داعش وإرهابيي الحشد الطائفي والقصف الأميركي المتوحش.
بقلم : مهنا الحبيل
ففي سبتمبر 2010 قال الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، أنه لا دوافع لدى تل أبيب لحرب ضد إيران وأنه يعارض مثل هذا التوجه للمرحلة السياسية القادمة.
وقد تزامن هذا الإعلان مع تصريح لمصدر إيراني في ذلك التاريخ، أكد أن لا اعتراض لطهران على نسخة الاتفاقية الأمنية بين حكومة المالكي وواشنطن، وهي نموذج صارخ لإدارة الميلشيا الطائفية حكومة مركزية في بغداد، دعمتها واشنطن طويلا، ولكن سقوط الموصل أنهاها.
وقد ذكرنا مراراً أن واشنطن لا تتخلى عن أطماعها الاستراتيجية التي يعتمدها النظام السياسي الأميركي في أصل فلسفته، وخاصة مع عودة الروس للعِبِ دور محوري مختلف عن العهد السابق، الذي أعقب سقوط الاتحاد السوفياتي وصعود الصين المطرد.
فيكفي أن نعود إلى الوراء مع أصل الاتفاق بين القطبين، على إسقاط بغداد والمشاركة العملية لطهران مخابراتيا، أو من خلال فصائلها، ثم دعم العملية السياسية التي تزامنت مع الاحتلال، فطهران كانت تدرك بلا شك بأن حصيلة هذه الحرب لا يمكن أن تنصرم دون وجود عسكري استراتيجي أميركي، وعلى الأقل قواعد دائمة، وبالتالي إن مسألة القبول الأولي كانت محسومة، وفقا لهذا السيناريو الحتمي في مآلات حرب اسقاط بغداد.
كما أن هذا التوافق عاد في عملية كشف ظهر صحوات العراق، وهو ما كان يُصّر عليه الطرف الإيراني بعد أن استهلكت مهمتها في 2007 وخدعهم الرئيس الأميركي جورج بوش ثم قدمهم للإيرانيين.
وهو ما جعل حرب تصفية الصحوات تشتعل لمصلحة التوافق الأميركي الإيراني، بأيدي الميلشيات أو القاعدة التي أُفسح لها المجال في حينه، وهو ما يُراد تكراره في الموصل مستقبلا ومناطق أخرى، لو وُرطت العشائر السنية، مع تعقد وضع العراق العربي بغياب أي غطاء مستقل لمحور عربي خارج القطبين، وهو المنتفي اليوم عمليا بكل تأكيد.
وكان دافع قرار تصفية الصحوات، خشيةً من أن تُشكل هذه المجموعات مستقبلاً، عامل تغيير للتوازن الذي أحدثه الاحتلال طائفيا وسياسيا، ولمنع المدنيين السُنة من الاستفادة من هذه المجموعات مستقبلا لحماية مناطقها.
وعليه فان واشنطن وطهران أمس واليوم، تمنعان اضطراب المعادلة، الذي يفسح المجال أمام أي قوى سنية عراقية عسكرية وسياسية، قد تتقدم لتملأ الفراغ، وتكتفي بتوظيفها موسميا، لأنه يشكل خطرا على أحزاب الاحتلال وعمليته السياسية، فتعود واشنطن للعبة التوافق مع طهران وتثبيت الوضع بقواعد الاحتلال السياسي.
إن كل التحضيرات لمعركة الموصل تتوجه صوب هذا الهدف، وهو اجتياح المدينة السنية الكبرى، والعمق الاجتماعي الأخير للعراق العربي، مستثمرة هيمنة داعش وإرهابه عليها، وعدم التحرك لمواجهة هذا المشروع، الذي ستُطلق فيه واشنطن الحشد الشعبي الطائفي عاجلاً أم آجلاً، لتنفيذ أكبر عملية تأديب للعرب السنة، وضمان عدم تهديدهم مصالح واشنطن ومصالح إيران.
يغيب المشهد العربي، الذي كان من الممكن جداً أن ينسق مع تركيا، بموقف ضاغط على الغرب، فيؤخر هذا الاجتياح، ويُنظم وضع المدنيين فيه، والشرطة المحلية المستقلة عن حكومة العبادي الطائفية بعد خروج داعش، بإشراف تركي سعودي، وهي معادلة صعبة أمام هيمنة داعش، ولكن في أي حال يجب ألا تترك الموصل بين إرهابيي داعش وإرهابيي الحشد الطائفي والقصف الأميركي المتوحش.
بقلم : مهنا الحبيل