+ A
A -
في عالمنا المعاصر حيث يتدفق سيل المعلومات والأنباء صباح مساء في كل ما يخص المرء في حياته العامة، بل والخاصة أيضا، تحضر ذاكرة الأمة لتكون هي المصدر الرئيس الذي يتم من خلاله الفرز بين الغث والسمين أو بين السيئ والجيد. وتزداد أهمية هذه الذاكرة كلما كان المناخ العام مرتبكا نتيجة اشتداد المصاعب والأزمات داخلية كانت أم خارجية.
ليس المقصود بذاكرة الأمة هنا هو بقاء التراث الفكري والثقافي حيا في الأذهان، أو الاهتمام بالتاريخ وضرورة استرجاعه دائما للاستفادة الصحيحة منه في قراءة الحاضر والتخطيط للمستقبل، وإن كان هذا وذاك صحيحا بكل تأكيد ولا تقليل من أهميته، ولكن المقصود في هذا المقام هو أنها بيت الخبرة لأي من الشعوب العربية الذي تشكل عبر عقود طويلة من واقع مواجهة المصاعب والأزمات ومن الآمال الوطنية ومواقف الوحدة والتماسك الداخلي، وأنتج وعيا أصبح بمثابة المناعة الطبيعية الوطنية التي تدرأ تلقائيا مفاسد ما يهب من الواقع العالمي المعاصر سواء كانت معلومات مضللة أو أنباء مغلوطة،
التعليم والثقافة والإعلام هي ثلاثية البناء لذاكرة الأمة. هذه الثلاثية شديدة الصلة بالتنمية البشرية التي هي العمود الفقري في أي استراتيجية للتنمية. ومن الصحيح أن هناك متطلبات أخرى كالصحة وفرص العمل والخدمات ورفع مستويات الدخول، ولكن كل ذلك لا جدوى منه في غياب التعليم الجيد، فضلا عن كونها نتيجة للنجاح الذي يتعين أن يتحقق أولا في التعليم. وأما الثقافة فهي مصدر المناعة الوطنية ضد أية مفاسد تهدف إلى تشتيت العقل وهدم الوجدان والزاد المعنوي المستدام للوصول إلى المعارف قديمها وجديدها. هي مصدر للافتخار الوطني الذي يقوي النفس ويشعرها بالاعتزاز، وكذلك تشكيل الهوية الوطنية التي من خلالها تتحقق النظرة للحياة. ولا شك أن الثقافة تنمو وتزدهر كلما وجدت رموزها وروادها في مختلف مجالات الإبداع والفعاليات التي تبقيها نشطة بين جمهور الأمة بالإضافة إلى صور النشر المختلفة. وأخيرا فإن الإعلام بصوره المختلفة مثلما له وظيفة الإخبار، هو صاحب رسالة تعبر عن الطموحات والآمال المعقودة على مزيد من التقدم والنهضة والتصدي للتحديات. هو إحدى الآليات المهمة لتعظيم الفرص ودرء التهديدات، خصوصا في هذا الزمان الذي تصاعدت فيه حدة التنافس والتهديد في نفس الوقت.
بالتفاعل والتعاون الوثيق بين التعليم والثقافة والإعلام لا خوف على ذاكرة الأمة بوصفها مصدر الثقة في التعامل مع مستجدات الحاضر والتخطيط للمستقبل، مهما كانت وطأة التهديدات التي تنشأ من ظروف العصر المثيرة للقلق. تلك الظروف التي لا مفر من التعرض لها بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة، وفي ظل الاكتساح الرهيب لمجالات التواصل والتأثير في الرأي العام من جانب مختلف أدوات الشبكة العنكبوتية. لقد أدى ذلك إلى أن أصبح الفرد المواطن أيا كان مستوى تطوره هو الباب الأول الذي تأتى منه الفرص أو يتحقق من خلاله التهديد، وإن لم تكن ذاكرة الأمة حاضرة بقوة عنده فإنه سرعان ما يجزع أو يهتز أو ينجذب تلقائيا إلى السيئ لا إلى الجيد، والعكس.
في منطقتنا العربية لم نعد نرى سوى الجانب المظلم من المشهد، لسبب مباشر هو سخونة المناخ العام بفعل الأزمات المتلاحقة. ولكن ما لا يمكن تجاهله هو أنه كلما ظلت ذاكرة الأمة حية ونشطة كلما نجح المواطن العربي في التعامل بحكمة مع هذا الفيضان المتدفق من المعلومات والأنباء التي يختلط فيها الحابل بالنابل، فيستطيع تفضيل الجيد على السيئ.
وما وطأة المناخ العام أو شدة الأزمات إلا دافع جديد للمؤسسات المعنية بالتعليم والثقافة والإعلام لتقوم بجهد مضاعف في هذا الشأن. وبنظرة بسيطة على الواقع العربي فإن من انتبه لهذا الأمر واستعد له مبكرا نجا إلى حد كبير من مشكلات المواجهة الناجمة عن طوفان الانترنت وتدفق المعلومات خطأ كان أم صوابا وتمكن من التمييز الحقيقي بين الغث والسمين، حيث عرف البداية الصحيحة بأن أقام تنمية بشرية قوامها الإبقاء على ذاكرة الأمة متماسكة ومتجددة، بينما من لم يدرك ذلك أصبح في مهب الريح.
بقلم : د. عبدالعاطي محمد
ليس المقصود بذاكرة الأمة هنا هو بقاء التراث الفكري والثقافي حيا في الأذهان، أو الاهتمام بالتاريخ وضرورة استرجاعه دائما للاستفادة الصحيحة منه في قراءة الحاضر والتخطيط للمستقبل، وإن كان هذا وذاك صحيحا بكل تأكيد ولا تقليل من أهميته، ولكن المقصود في هذا المقام هو أنها بيت الخبرة لأي من الشعوب العربية الذي تشكل عبر عقود طويلة من واقع مواجهة المصاعب والأزمات ومن الآمال الوطنية ومواقف الوحدة والتماسك الداخلي، وأنتج وعيا أصبح بمثابة المناعة الطبيعية الوطنية التي تدرأ تلقائيا مفاسد ما يهب من الواقع العالمي المعاصر سواء كانت معلومات مضللة أو أنباء مغلوطة،
التعليم والثقافة والإعلام هي ثلاثية البناء لذاكرة الأمة. هذه الثلاثية شديدة الصلة بالتنمية البشرية التي هي العمود الفقري في أي استراتيجية للتنمية. ومن الصحيح أن هناك متطلبات أخرى كالصحة وفرص العمل والخدمات ورفع مستويات الدخول، ولكن كل ذلك لا جدوى منه في غياب التعليم الجيد، فضلا عن كونها نتيجة للنجاح الذي يتعين أن يتحقق أولا في التعليم. وأما الثقافة فهي مصدر المناعة الوطنية ضد أية مفاسد تهدف إلى تشتيت العقل وهدم الوجدان والزاد المعنوي المستدام للوصول إلى المعارف قديمها وجديدها. هي مصدر للافتخار الوطني الذي يقوي النفس ويشعرها بالاعتزاز، وكذلك تشكيل الهوية الوطنية التي من خلالها تتحقق النظرة للحياة. ولا شك أن الثقافة تنمو وتزدهر كلما وجدت رموزها وروادها في مختلف مجالات الإبداع والفعاليات التي تبقيها نشطة بين جمهور الأمة بالإضافة إلى صور النشر المختلفة. وأخيرا فإن الإعلام بصوره المختلفة مثلما له وظيفة الإخبار، هو صاحب رسالة تعبر عن الطموحات والآمال المعقودة على مزيد من التقدم والنهضة والتصدي للتحديات. هو إحدى الآليات المهمة لتعظيم الفرص ودرء التهديدات، خصوصا في هذا الزمان الذي تصاعدت فيه حدة التنافس والتهديد في نفس الوقت.
بالتفاعل والتعاون الوثيق بين التعليم والثقافة والإعلام لا خوف على ذاكرة الأمة بوصفها مصدر الثقة في التعامل مع مستجدات الحاضر والتخطيط للمستقبل، مهما كانت وطأة التهديدات التي تنشأ من ظروف العصر المثيرة للقلق. تلك الظروف التي لا مفر من التعرض لها بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة، وفي ظل الاكتساح الرهيب لمجالات التواصل والتأثير في الرأي العام من جانب مختلف أدوات الشبكة العنكبوتية. لقد أدى ذلك إلى أن أصبح الفرد المواطن أيا كان مستوى تطوره هو الباب الأول الذي تأتى منه الفرص أو يتحقق من خلاله التهديد، وإن لم تكن ذاكرة الأمة حاضرة بقوة عنده فإنه سرعان ما يجزع أو يهتز أو ينجذب تلقائيا إلى السيئ لا إلى الجيد، والعكس.
في منطقتنا العربية لم نعد نرى سوى الجانب المظلم من المشهد، لسبب مباشر هو سخونة المناخ العام بفعل الأزمات المتلاحقة. ولكن ما لا يمكن تجاهله هو أنه كلما ظلت ذاكرة الأمة حية ونشطة كلما نجح المواطن العربي في التعامل بحكمة مع هذا الفيضان المتدفق من المعلومات والأنباء التي يختلط فيها الحابل بالنابل، فيستطيع تفضيل الجيد على السيئ.
وما وطأة المناخ العام أو شدة الأزمات إلا دافع جديد للمؤسسات المعنية بالتعليم والثقافة والإعلام لتقوم بجهد مضاعف في هذا الشأن. وبنظرة بسيطة على الواقع العربي فإن من انتبه لهذا الأمر واستعد له مبكرا نجا إلى حد كبير من مشكلات المواجهة الناجمة عن طوفان الانترنت وتدفق المعلومات خطأ كان أم صوابا وتمكن من التمييز الحقيقي بين الغث والسمين، حيث عرف البداية الصحيحة بأن أقام تنمية بشرية قوامها الإبقاء على ذاكرة الأمة متماسكة ومتجددة، بينما من لم يدرك ذلك أصبح في مهب الريح.
بقلم : د. عبدالعاطي محمد