+ A
A -
نواصل اليوم، حديثنا السابق عن قدرات عمان الجيوسياسية، مقابل تصورات المشروع الكبير للخليج، الذي تراهن عليه أبوظبي.
فالجبهة الداخلية الاجتماعية والوطنية في السلطنة، ارتفع اتحادها مؤخراً، والزخم الذي استفادت منه سياسة البلاط وحكومة مسقط، هو إدراك الشعب، بأن عُمان أدركت أن نهايات بعض المشاريع، هي مواجهات خطيرة، في المنطقة ونأت بنفسها عنها، خاصة بعد حصاد حرب اليمن، وهدوئها الوطني في التعامل، الذي لم يستثن إسلامياً ولا غيره.
كل ذلك جعل هذه البنية الاجتماعية، متماسكة بطريقة قوية وإيجابية، ولسنا نزعم مطلقاً، تحقق مستوى الطموح الشعبي العماني، فنحن نعرف واقع دول المنطقة، لكن الرضا الوطني الاجتماعي، وتصحيحات مشروع النهضة العماني المستمر، له قناعة قوية في الشارع العام.
وعُمان التي ولدت بعد رحلة التعليم والتقدم الجديد، وربطت بتاريخها القومي العربي والإسلامي، باتت عقيدة وطنية، بقناعة ذاتية تنتشر لدى أبناء الشعب، وليس ذلك رهناً، لبعض لغة المبالغات، في المدح التقديسي، الذي قد يُقرأ من بعض مغردي السلطنة، كما هو موجود في لغة مغردي كل دول العرب، وإنما التقدم والاستقرار المقصود، واقع اجتماعي ممكن أن يرصده المراقب.
هنا تبدو مناورات أبوظبي ضعيفة جداً، لو كان الرهان على استخدام ضغط الداخل، كما أن القوات المسلحة العمانية، التي لم تدخل في أي مصادمات خارجية، وتلتزم بحدودها الوطنية، تقوم على عنصر عماني صرف، من كل أطياف الشعب، قد تأصلت فيه جذوره الاجتماعية العمانية، من عرب الحاضرة وعرب القبيلة، وأصبحت الأخلاق الوطنية، ومشاعر الانتماء رابط عروة وثقى بينهم.
إذن هنا نجد التمساك الاجتماعي الصلب، لحكومة السلطنة، وعلاقتها بسياسة، عمل عليها السلطان قابوس فترة طويلة، وأصبح نظامها متماسكاً، وعلاقات خارجية ذات كسب واسع لمكانتها، وهنا نقطة مهمة، إنها واضحة المشهد والتعامل، ومع الانفتاح فهناك انضباط، أكسبها احتراماً إقليمياً ودولياً واسعاً، بغض النظر عن المساحات الإقليمية، التي قد نختلف معها في السياسة العمانية، وهي مسألة طبيعية، بحسب ظروف الإقليم وتحدياته.
المهم أن السلطنة قوية بسياستها، وبقواتها المسلحة الذاتية، وببرنامجها الوطني الاجتماعي والديني والأخلاقي، ومع إعادة النظر في وضع أبوظبي يتبين لنا، أن الإمارة تقوم على دستور اتحادي، وهذا صحيح، لكن ولي عهد ابوظبي ألغى عملياً صلاحيات، حكام الإمارات، أعضاء المجلس الأعلى، وأصبح مهيمناً على كامل السياسة، داخل وخارج الإمارات دون موقع دستوري، وحتى مهمة الشيخ محمد بن راشد في قيادة الحكومة، كمنظومة إدارة تكنوقراط، تقوم على نظام إدارة الشركات، أصبحت تراقبها وتتدخل فيها أبوظبي، بعد أن خضعت دبي كلياً لسيادة أبوظبي.
فالإمارات المتعددة اتحادياً، مركزية واقعياً وبقبضة أمنية شرسة، كل صلاحياتها لدى ولي عهد أبوظبي، وتم تدشين تشكيلات مسلحة، عبر قوات من خارج مواطني الدولة، أو التجنيس الحديث، وبالعودة إلى التاريخ القديم لساحل عمان الكبير، تعطي المقارنة فارقاً ضخماً لصالح السلطنة، ومجرد المغامرة للصدام السياسي الحاد بها، يعرّض أبوظبي لنكسة خطيرة، إن لم يكون سقوطاً سياسياً صعباً.
ولذلك مسألة وضع عمان تحت الضغط، لتأمين الميلاد الجديد، لإمبراطورية أبوظبي هي الهدف الاستراتيجي، هنا يجب تسجيل قضية مهمة، وهي أن الشيخ محمد بن زايد، نجح أن يقدم نفسه كشريك ووكيل للغرب، في أي مشهد انهياري كبير، لتتحول فيه ابوظبي إلى المركز الإقليمي للترتيبات الكبرى للساحل، فنموذج فصل جنوب اليمن، وضمه لسيادتها، ممكن أن يطبق في الأحساء السعودية، بالتنسيق مع واشنطن.
وحتى رهانها على انكفاء الدوحة لتامين أمنها القُطري، قد يكون نجح لبعض الوقت، باعتبار أنها الأولوية التي استيقظت عليها الدوحة، رغم أن هذا الانفراد لأبوظبي هو مقدمة كارثية للخليج، بعد ما أحدثته في منظومة المجلس، وشقه إلى نصفين من خلال قيادتها للموقف السعودي، وقوة قرارها فيه.
فالدوحة اليوم بالفعل، لا تسعى ولن تسعى لأي تداخل مع السعودية، ولا تحالف معها، والخاسر هنا الرياض، وقد دشنت بالفعل منظومتها الانتقالية، وستطوى أزمة الخليج بطريقة غير تقليدية، بعد أن ثملت واشنطن، من جباية الأموال والمصالح، من دول الخليج العربي، لكن بقيت هناك مرحلة اللعبة الكبرى، وهي مرحلة صراع حدودي ووجودي دموي.
ولا يضمن لأبوظبي اليوم، اكتمال أدواتها في اليمن، أو في مصر حتى بعد حسم السيسي المشهد المحلي، بذات طريقة ابوظبي، كما أن انتكاسة بعض ملفاتها، أمرٌ وارد.
نعم، هي تراهن على أن إطباقها على قرار الرياض، وهي المؤشرات، التي يراها المراقب بكل وضوح في خطاب الرياض الرسمي، والإعلامي المكثف، وكأن أبوظبي هي العاصمة الفدرالية التي تضم السعودية.
وسيناريو التقسيم، لا نطرحه كخيار مفضل بالضرورة للغرب، لا نقصد ذلك، وخاصة واشنطن، وإنما الغرب يراقب العوامل الذاتية للسقوط، والتصدعات السياسية، والصراعات الداخلية الشرسة، واضطراب العلاقات الاجتماعية، فضلاً عن غياب أي آمال إصلاحية أو حقوقية، وبالذات حين يكون خطاب الملاعنة المناطقي، والمجتمعي سائداً، بضوء أخضر، ونلاحظ هنا تطور الصراع القبلي الشرس، وتكثيف الهجوم والطعن في حاضرة الحجاز.
إن فكرة صورة هذا الصراع والتوحش، تعزز نظرة المشروع الدولي، منذ عقود، التي ثبتت بعد تفجير 11 سبتمبر الإرهابي في منهاتن، وبعد الأعمال الوحشية، للسلفية الجهادية، وربط علاقتها بوسط الجزيرة، والذي يطرح ضرورة إنهاك، هذه المنطقة بحرب أهلية مجنونة، لتأمين فصل ساحل النفط الشرقي، فمن هو وكيل اللعبة؟
إن لعبة الأميركيين والصراع أو الموافقة مع طهران، في فصل الأحساء، (الشرقية السعودية بدون حفر الباطن)، لعبة كبرى لا أظن أن ابوظبي ستصمد فيها، لكنه يراهن على ذلك، ليولد حلم الشيخ محمد بن زايد، كسلطان يفوضه الغرب للخليج الكبير، وبالتالي اخضاع مسقط له، فعمان صمدت لمئات السنين، وظلت هي عمان، منذ حديث رسول الإسلام عن أهلها، حتى حرب هرمز، ورأسها المرفوع فيه الذي لم يسقط.
بقلم : مهنا الحبيل
فالجبهة الداخلية الاجتماعية والوطنية في السلطنة، ارتفع اتحادها مؤخراً، والزخم الذي استفادت منه سياسة البلاط وحكومة مسقط، هو إدراك الشعب، بأن عُمان أدركت أن نهايات بعض المشاريع، هي مواجهات خطيرة، في المنطقة ونأت بنفسها عنها، خاصة بعد حصاد حرب اليمن، وهدوئها الوطني في التعامل، الذي لم يستثن إسلامياً ولا غيره.
كل ذلك جعل هذه البنية الاجتماعية، متماسكة بطريقة قوية وإيجابية، ولسنا نزعم مطلقاً، تحقق مستوى الطموح الشعبي العماني، فنحن نعرف واقع دول المنطقة، لكن الرضا الوطني الاجتماعي، وتصحيحات مشروع النهضة العماني المستمر، له قناعة قوية في الشارع العام.
وعُمان التي ولدت بعد رحلة التعليم والتقدم الجديد، وربطت بتاريخها القومي العربي والإسلامي، باتت عقيدة وطنية، بقناعة ذاتية تنتشر لدى أبناء الشعب، وليس ذلك رهناً، لبعض لغة المبالغات، في المدح التقديسي، الذي قد يُقرأ من بعض مغردي السلطنة، كما هو موجود في لغة مغردي كل دول العرب، وإنما التقدم والاستقرار المقصود، واقع اجتماعي ممكن أن يرصده المراقب.
هنا تبدو مناورات أبوظبي ضعيفة جداً، لو كان الرهان على استخدام ضغط الداخل، كما أن القوات المسلحة العمانية، التي لم تدخل في أي مصادمات خارجية، وتلتزم بحدودها الوطنية، تقوم على عنصر عماني صرف، من كل أطياف الشعب، قد تأصلت فيه جذوره الاجتماعية العمانية، من عرب الحاضرة وعرب القبيلة، وأصبحت الأخلاق الوطنية، ومشاعر الانتماء رابط عروة وثقى بينهم.
إذن هنا نجد التمساك الاجتماعي الصلب، لحكومة السلطنة، وعلاقتها بسياسة، عمل عليها السلطان قابوس فترة طويلة، وأصبح نظامها متماسكاً، وعلاقات خارجية ذات كسب واسع لمكانتها، وهنا نقطة مهمة، إنها واضحة المشهد والتعامل، ومع الانفتاح فهناك انضباط، أكسبها احتراماً إقليمياً ودولياً واسعاً، بغض النظر عن المساحات الإقليمية، التي قد نختلف معها في السياسة العمانية، وهي مسألة طبيعية، بحسب ظروف الإقليم وتحدياته.
المهم أن السلطنة قوية بسياستها، وبقواتها المسلحة الذاتية، وببرنامجها الوطني الاجتماعي والديني والأخلاقي، ومع إعادة النظر في وضع أبوظبي يتبين لنا، أن الإمارة تقوم على دستور اتحادي، وهذا صحيح، لكن ولي عهد ابوظبي ألغى عملياً صلاحيات، حكام الإمارات، أعضاء المجلس الأعلى، وأصبح مهيمناً على كامل السياسة، داخل وخارج الإمارات دون موقع دستوري، وحتى مهمة الشيخ محمد بن راشد في قيادة الحكومة، كمنظومة إدارة تكنوقراط، تقوم على نظام إدارة الشركات، أصبحت تراقبها وتتدخل فيها أبوظبي، بعد أن خضعت دبي كلياً لسيادة أبوظبي.
فالإمارات المتعددة اتحادياً، مركزية واقعياً وبقبضة أمنية شرسة، كل صلاحياتها لدى ولي عهد أبوظبي، وتم تدشين تشكيلات مسلحة، عبر قوات من خارج مواطني الدولة، أو التجنيس الحديث، وبالعودة إلى التاريخ القديم لساحل عمان الكبير، تعطي المقارنة فارقاً ضخماً لصالح السلطنة، ومجرد المغامرة للصدام السياسي الحاد بها، يعرّض أبوظبي لنكسة خطيرة، إن لم يكون سقوطاً سياسياً صعباً.
ولذلك مسألة وضع عمان تحت الضغط، لتأمين الميلاد الجديد، لإمبراطورية أبوظبي هي الهدف الاستراتيجي، هنا يجب تسجيل قضية مهمة، وهي أن الشيخ محمد بن زايد، نجح أن يقدم نفسه كشريك ووكيل للغرب، في أي مشهد انهياري كبير، لتتحول فيه ابوظبي إلى المركز الإقليمي للترتيبات الكبرى للساحل، فنموذج فصل جنوب اليمن، وضمه لسيادتها، ممكن أن يطبق في الأحساء السعودية، بالتنسيق مع واشنطن.
وحتى رهانها على انكفاء الدوحة لتامين أمنها القُطري، قد يكون نجح لبعض الوقت، باعتبار أنها الأولوية التي استيقظت عليها الدوحة، رغم أن هذا الانفراد لأبوظبي هو مقدمة كارثية للخليج، بعد ما أحدثته في منظومة المجلس، وشقه إلى نصفين من خلال قيادتها للموقف السعودي، وقوة قرارها فيه.
فالدوحة اليوم بالفعل، لا تسعى ولن تسعى لأي تداخل مع السعودية، ولا تحالف معها، والخاسر هنا الرياض، وقد دشنت بالفعل منظومتها الانتقالية، وستطوى أزمة الخليج بطريقة غير تقليدية، بعد أن ثملت واشنطن، من جباية الأموال والمصالح، من دول الخليج العربي، لكن بقيت هناك مرحلة اللعبة الكبرى، وهي مرحلة صراع حدودي ووجودي دموي.
ولا يضمن لأبوظبي اليوم، اكتمال أدواتها في اليمن، أو في مصر حتى بعد حسم السيسي المشهد المحلي، بذات طريقة ابوظبي، كما أن انتكاسة بعض ملفاتها، أمرٌ وارد.
نعم، هي تراهن على أن إطباقها على قرار الرياض، وهي المؤشرات، التي يراها المراقب بكل وضوح في خطاب الرياض الرسمي، والإعلامي المكثف، وكأن أبوظبي هي العاصمة الفدرالية التي تضم السعودية.
وسيناريو التقسيم، لا نطرحه كخيار مفضل بالضرورة للغرب، لا نقصد ذلك، وخاصة واشنطن، وإنما الغرب يراقب العوامل الذاتية للسقوط، والتصدعات السياسية، والصراعات الداخلية الشرسة، واضطراب العلاقات الاجتماعية، فضلاً عن غياب أي آمال إصلاحية أو حقوقية، وبالذات حين يكون خطاب الملاعنة المناطقي، والمجتمعي سائداً، بضوء أخضر، ونلاحظ هنا تطور الصراع القبلي الشرس، وتكثيف الهجوم والطعن في حاضرة الحجاز.
إن فكرة صورة هذا الصراع والتوحش، تعزز نظرة المشروع الدولي، منذ عقود، التي ثبتت بعد تفجير 11 سبتمبر الإرهابي في منهاتن، وبعد الأعمال الوحشية، للسلفية الجهادية، وربط علاقتها بوسط الجزيرة، والذي يطرح ضرورة إنهاك، هذه المنطقة بحرب أهلية مجنونة، لتأمين فصل ساحل النفط الشرقي، فمن هو وكيل اللعبة؟
إن لعبة الأميركيين والصراع أو الموافقة مع طهران، في فصل الأحساء، (الشرقية السعودية بدون حفر الباطن)، لعبة كبرى لا أظن أن ابوظبي ستصمد فيها، لكنه يراهن على ذلك، ليولد حلم الشيخ محمد بن زايد، كسلطان يفوضه الغرب للخليج الكبير، وبالتالي اخضاع مسقط له، فعمان صمدت لمئات السنين، وظلت هي عمان، منذ حديث رسول الإسلام عن أهلها، حتى حرب هرمز، ورأسها المرفوع فيه الذي لم يسقط.
بقلم : مهنا الحبيل