تحدثتُ في المقال السابق عن الإدارة التقليدية وسلبيتها، وأوضحت أنها تقوم على أساس أن المدير هو العقل المدبر الأوحد القادر على تحقيق الأهداف، وتجده يركّز على ساعات الحضور ويتصيد الأخطاء، ولا يعطي أهمية للمشاركة مع فريق العمل أو لتحفيزهم.

وعلى النقيض من الإدارة التقليدية توجد الإدارة الخدمية، ويأتي اسمها «خدمية» من أن هذا النوع من الإدارة قائم على أن المدير أحد أفراد فريق العمل، ليس فرداً عادياً؛ بل هو خادم لفريق العمل، ووظيفته أن يعمل على تسهيل الأمور أمامهم وإزالة العوائق، وتوفير كل ما يحتاجونه من أدوات، للوصول إلى الأهداف المشتركة لفريق العمل.

في هذا النموذج من الإدارة يكون المدير قريباً جداً من الموظفين، لا يتحصن في مكتب مغلق الأبواب، ولا يقف ببابه الحُجّاب والسكرتيرات، بل بابه مفتوح للجميع، بإمكان أي فرد من فريق العمل أن يزوره ويتناقش معه، ولهذا يسمون هذا النموذج أحياناً: «بإدارة الأبواب المفتوحة».

وكما أسلفت؛ يعمل المدير جنباً إلى جنب مع أفراد فريق العمل على تحقيق الأهداف، وهنا يكون الأفراد في فريق العمل شركاء في وضع الأهداف العامة، والتي من الممكن تحقيقها، كما أنهم شركاء في تحديد ساعات العمل المناسبة وغيرها.

وكذلك هم شركاء للإدارة الخدمية في تحديد «ميثاق فريق العمل»، الذي يحدد أوقات وأماكن الاجتماعات الدورية، وكيفية التواصل، وطرق حل الخلافات، وطرق اتخاذ القرارات. وبما أنهم شركاء في تحديد هذا الميثاق؛ ستجد منهم كل الالتزام في تطبيقه، بدلاً من التفنن في التهرب من العمل كما يحصل في الإدارة التقليدية.

وواحدة من أهم مميزات هذا النموذج من الإدارة؛ هي أن المدير يعمل على إزالة المعوّقات والصعوبات التي تواجه فريق العمل، ويعقد الاجتماعات الدورية معهم لمناقشة التطورات والصعوبات التي يواجهونها.

ويُشترط على المدير في هذه الحالة أن يتمتع بمجموعة من المهارات التي تمكّنه من إدارة الفريق بنجاح، مثل إدارة الحوار، وحل الخلاف، والعمل على تطوير الآخرين وتحفيزهم، ومهارات الاتصال المختلفة، وإتقان لغة الجسد، ومعرفة أنماط الشخصية، والذكاء العاطفي؛ الذي يحتاج إلى مقال منفرد لشرحه.

أما بالنسبة إلى التحوّل من الإدارة التقليدية إلى الإدارة الخدمية؛ فهي عملية تحتاج إلى صبر ومهارة كبيرين، فلا يمكن تحويل نظام إدارة الشركة أو المؤسسة في يوم أو يومين، بل هي عملية مستمرة، تحتاج إلى فترة من الوقت.

تبدأ العملية من خلال تطوير مهارات المسؤولين الحاليين والمستقبليين في الشركة، وذلك من خلال إكسابهم المهارات التي من المفترض أن تكون لدى «المدير الخادم»، وهذه العملية تحتاج إلى وقت للتدريب، ثم وقت لتطبيق ما تم التدرّب عليه. وتأتي المرحلة الثالثة في مراقبة أداء المدراء، والتأكد من تطبيقهم لقواعد الإدارة الخدمية، وقياس رضا الموظفين عنهم بين الحين والآخر.

كذلك تحتاج المؤسسة إلى إعادة النظر في الأنظمة الداخلية وتعديلها، وأن تُجري مجموعة من الاستبيانات والدراسات بين الموظفين، وقياس رضاهم عن ساعات العمل ووقت البدء والانتهاء، وكذلك تعديل آليات العلاوات والحوافز لتكون أكثر جاذبية وقبولاً لدى الموظفين، ومن المهم أيضاً إشراك الموظفين في تحديد ساعات العمل والآليات والوثائق المختلفة، ليكونوا أكثر حرصاً على تطبيقها كما أشرت سابقاً.