حتى ستينيات القرن الماضي لم تكن دولة الاحتلال الإسرائيلي على رأس أولويات الإدارة الأميركية ولم يكن دعمها لإسرائيل دعماً غير مشروط، والدليل على ذلك إجبار إسرائيل على الخروج من سيناء في حرب 1956 بعد تأميم مصر لقناة السويس والعدوان الثلاثي وكذلك تأييد قرارات مجلس الأمن لانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلتها في 1967 حتى أن فرنسا في تلك الفترة كانت الداعم الرئيسي لها من سلاح وخلافه. استغلت الولايات المتحدة حرب آكتوبر 1973 وخروج السوفيات من مصر وأزمة النفط لتسيطر على المنطقة وتجعل إسرائيل بمثابة ذراعها السياسي والعسكري في الشرق الأوسط.

ومنذ ذلك الوقت تمنح أميركا إسرائيل دعما استثنائيا وتعتبرها أحد أهم الولايات الأميركية، بل وتدليلها وعدم إجبارها على الالتزام بالقرارات الدولية ما كان له تأثير سلبي على علاقة أكبر دولة في العالم بالعالمين الإسلامي والعربي نتيجة شعورهم بالظلم والقهر طوال الوقت وكانت القضية الفلسطينية أحد أهم الذرائع التي سببت أحداث 11 سبتمبر، ورغم ذلك لم تتعلم الولايات المتحدة الدرس وتمادت في دعمها غير المشروط للكيان الصهيوني.

أما الآن فالقيادة الأميركية تخسر ليس فقط شعوب العالم، بل شعبها ولاسيما الشباب، حيث أظهر استطلاع الحزب الديموقراطي أن 56 % ممن أجروا الاستطلاع ومعظمهم من الشباب يعتقدون أن إسرائيل أفرطت في استخدام القوة في حربها على غزة. المظاهرات من اليهود المنصفين ومن جميع الأعراق والديانات تجوب شوارع لندن وطوكيو وباريس واستكهولم ومونتريال، وعلى جميع وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة ووقوف المنظمات الدولية بشكل غير مسبوق مع الفلسطينيين وحقوقهم المشروعة... فالتعاطف الشعبي العالمي صار إلى جانب الفلسطينيين ما دفع دولا غربية إلى تغيير موقفها نوعا ما مثل النرويج التي تفكر في الاعتراف بدولة فلسطين ومطالبة الرئيس الفرنسي بالكف عن قتل المدنيين في غزة.

والسؤال الآن؛ هل تستدرج إسرائيل الولايات المتحدة إلى مزيد من الخسائر؟ بايدن الآن يخسر شعبيته لاسيما وأن الشعب الأميركي بات أكثر وعيا بأن المليارات التي تدفع لإسرائيل من جيوبهم، بل والأدهى على الجانب الآخر فإن آوكرانيا في طريقها للاستسلام بعد إقرار رئيس أوكرانيا أن الذخيرة نفذت بعد قيام أميركا بدعم إسرائيل بالسلاح الذي كان من المفترض أن تقدمه لأوكرانيا؛ وهذا سيجعل أميركا تخسر على جبهتين في وقت واحد، فإسرائيل صارت خنجرا في ظهر الأميركان أنفسهم لأنه لن تستطيع أميركا فتح جبهتين في آن واحد.

بل ما سيزيد الطين بلة أن استمرار الحرب في غزة قد يدفع أطرافاً موالية لروسيا بالدخول للحرب وستصبح فرصة لروسيا لرد الصفعة لأمريكا واستنزافها كما حاولت أميركا من قبل استنزاف روسيا من خلال «الطُعم» الأوكراني.

الولايات المتحدة قد تخسر القاعدة العسكرية كاملة (إسرائيل) أيضاً في حال تدهور الوضع ولن يكون هناك حتى فرصة لإقامة دولتين مرة أخرى، خصوصا وأن المعركة لن تحسم أبدا في المستقبل القريب لأن الهدف الخفي هو طرد الفلسطينيين من غزة وسيستغرق ذلك وقتا طويلا ودماء أكثر وخسائر وعواقب وخيمة وهو ما سيقوض قبضة أميركا في المنطقة.