+ A
A -

تلعب الثقة دوراً مهماً في تعزيز العلاقات الاجتماعية واستمراريتها، لذلك تبدو الأقوال المأثورة المتداولة من جيل إلى جيل من قبيل المقولة الإنجليزية الشهيرة: «Don›t Trust Anyone. Life is Full of Fake People»، مدمرة لعلاقاتنا الشخصية والمهنية على حد سواء، إذا طُبقت بحذافيرها دون أن نفرق بين الأشخاص الذين يستحقون ثقتنا، وبين من لا يستحقونها، رغم أنه من النادر أن نجد في هذا العصر المادي أناساً نستطيع أن نشاركهم تفاصيل الحياة الكبيرة والصغيرة، ونأتمنهم على أسرارنا، ونطلب مساعدتهم وقت الأزمات.

ربما تشعر في معظم الأوقات بعدم الراحة حين يتعلق الأمر بالثقة في شخص معين، متسائلاً بينك وبين نفسك: «لماذا لا يمكنني أن أثق بأي شخص؟». وعلى صعيد آخر، ربما تكون من بين عشرات الأشخاص حول العالم، ممن يثقون بسهولة بأي إنسان يتقرّب منهم دون أن ينتبهوا إلى نواياه الحقيقية.

في الواقع، إن الثقة كلمة قوية، وإحساس يجعلنا نشعر بالسعادة والأمان؛ فنحن نحيا وسط مجتمع نتعامل في ثناياه مع العديد من الأشخاص يومياً، حيث نقوم بالتواصل مع الآخرين سواء في العمل أو الحياة الشخصية. وعليه، فإن جميع جوانب حياتنا تتضمن اتصالاً بالغير بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، الأمر الذي يضطرنا إلى وضع ثقتنا في بعض الناس الذين نحتاجهم ونتوسم فيهم خيراً.

إن اتصالنا بالناس من حولنا لا يعني أن نثق بأي أحد لمجرد وجود صلة قرابة أو لأن تاريخاً مشتركاً يجمعنا مع الطرف الآخر، فنحن بذلك نصبح فريسة سهلة للانتهازيين الذين يلعبون على أوتار المشاعر ليعزفوا ألحان الاستغلال والخداع بغية تحقيق مآربهم الذاتية دون أي اكتراث لعواطفنا.

يغفل غالبية البشر حقيقة أن الثقة أمر متبادل، وليس من طرف واحد. أن تريد من الآخرين أن يكونوا أهلاً للثقة، وتحزن بشدة إذا تمت خيانتك. لكن على صعيد آخر، تغفل أهمية دورك في أي علاقة، والمتمثل في أن تكون أهلاً للثقة قبل أن تطالب غيرك بأن يكونوا مخلصين لك، فكن مثال الإنسان الذي يستحق أن يثق به الآخرون، ثم يحق لك بعد ذلك أن تطالب غيرك بأن يكونوا محل ثقة.

أن تبدأ بنفسك بحيث تكون محط ثقة أقاربك وأصدقائك ومعارفك، هو أمر مهم لأبعد الحدود حتى تضمن وجود أشخاص تثق بهم في حياتك، وبعد أن توطد هذه الخصلة في نفسك أولاً، يمكنك أن تحاسب من يخون الثقة والعهد. لكن الأفضل من ذلك كله ألا تنتظر المصيبة حتى تحدث ثم تندب حظك، بمعنى أن عليك انتقاء من تحبهم وتصاحبهم بعناية فائقة حتى لا تقع ضحية الخداع والخيانة، فالوقاية خير من قنطار علاج كما يقول المثل العربي.

الحياة مليئة بأصناف البشر. منهم من يستحق ثقتك الكاملة، ومنهم من تأتمنه على بعض الأشياء دون غيرها، ومنهم من لا يؤتمن جانبه. وهنا عليك أن تكون فطناً فتختار من تحيط نفسك بهم بحرص شديد حتى لا تندم بعد ذلك.

لكن بغض النظر عن درجة ثقتك بأي إنسان، فمن الحكمة ألا تفتح للآخرين سوى غرفة الضيوف، فتحتفظ بأسرارك وخصوصياتك لنفسك حتى لا تترك بيد أحد مفتاح الإضرار بك، وتظل في مأمن من الغدر والخيانة وثورات الغضب التي يمكن أن تخرج أطيب الناس عن صوابهم، فيستخدموا أسرارك ونقاط ضعفك ضدك، فلست بحاجة إلى البوح بأسرارك الدفينة التي لا يضر عدم البوح بها، ولست مجبراً على مشاركة أدق التفاصيل مع أحد طالما أنها لا تؤثر على العلاقة أبداً.

بهذه الطريقة فقط ستتمكن من إنشاء علاقات اجتماعية صحية وناجحة، وتنأى بنفسك عن أي استغلال مقصود أو غير مقصود لأسرارك؛ لأنك لم تخبرها لأحد أساساً، وجعلت غرفة الضيوف مكاناً لاستقبال الآخرين. وهذا لا يعني ألا تثق بأي شخص على الإطلاق، بل يعني أن تضع ثقتك بفئة قليلة من الناس، لكن دون أن تجعلهم يخترقون أدق تفاصيل حياتك وأفكارك وشخصيتك حتى لا تخسرهم ويخسروك في المستقبل.

copy short url   نسخ
20/11/2023
110