+ A
A -
هذه المادة تُكتب وفق تصورات الوعي الاستراتيجي، والمآلات المتوقعة للمرحلة الانتقالية للأزمة الخليجية، ثم مرحلة فك الاشتباك فيها، وبالتالي لا يُمكن أن يَستوعب القارئ الكريم، مثل هذه القراءة التحليلية، وهو ينظر إلى زبد الموج المتطاير في منصات الإعلام، الشرس والمنحط، الذي لا يزال يُعبّر عن مرحلة الصراع وعض الأصابع في الأزمة.
اما القضية الثانية المهمة، لفهم هذا المقال، أن المملكة العربية السعودية، الدولة الأكبر في المنطقة، هي في حالة انتقال تاريخي، تعاد عبره بنيتها السياسية والأيديولوجية، وإن بقيت مرتبطة بقواعد وجود أساسية، تعيد تنظيمها في كل دورة.
وان كانت هذه المرحلة، التي دشنها ولي العهد السعودي قبيل اعتلاءه للعرش، لم يُشهد مثلها، مُطلقاً في التاريخ الحديث للدولة السعودية، وهي ذات حدين، بقاء الدولة بصورة تغييرية كبيرة، ستأخذ وقتا حتى تستكمل مشهدها، واستقرارها الاجتماعي، أو سقوط الدولة والنظام السياسي.
وحتّى السقوط الذي لا نتمناه، ونأمل أن يصحو العقل السياسي، ويُعلن عهد إصلاح وطني جاد، يطوي المراهنات الخاطئة للسياسة الخارجية، خاصة بعد الحصاد المر الذي تجرعته المنطقة، في قرار تفجير أزمة الخليج، فهذا السقوط قد يمر بمراحل، ويأخذ فترته الزمنية، وبالتالي الدوحة أمام، موقف ضروري، لوضع تصورها الاستراتيجي، الذي يقوم على منظومتين:
1- أن دلائل التجربة يقينية، بان مساحة وحالة العزل عن الشأن السعودي، واتخاذ التأمين الاستراتيجي معه، وهو الذي تم العمل عليه بجهود مكثفة، خلال الأشهر الماضية، منذ الخامس من حزيران 2017، هو ضرورة قصوى، وهو ما طبقته الدوحة بالفعل، في مسارها الدفاعي والدبلوماسي.
2- أما الثاني فهو يقوم على أن العلاقة مع الرياض، لا بد في نهاية الأمر، أن تنتظم ضمن علاقات طبيعية، من التواصل والجسور الدبلوماسية، لكنها مختلفة كلياً، عن طبيعة العلاقات السابقة، فهي مرحلة علاقات غير صراعية، لكنها ليست حميمية، ولا ودية إلا بالقدر الرسمي المحتاج، لضمان وضع هادئ ومستقر مع الدولة المركزية الحدودية.
وهنا سيرد اعتراض، كيف يطرح مثل هذا التصور، في ظل هذه الملاعنة الإعلامية والتصعيد، الذي يقوم به نفس الفريق التويتري، الذي يدير السياسية الخارجية للرياض، وخاصة خطاب الأزمة، ونجيب بأن:
مهما طالت مثل هذه اللغة، وهذا التصعيد، فهو لا يُمكن أن يستمر إلى مالا نهاية، وليس بالضرورة أن توقف فعاليات الأزمة، عند حزيران 2020، الذي أشار له وزير أمارة ابوظبي أنور قرقاش، فقد تستمر آثارها لما هو أطول.
غير أن الموقف الدولي، وخاصة واشنطن، والظرف الإقليمي بكل أبعاده، وسياسة قطر الدفاعية، وتهاوي روح دوافع الحملات الإعلامية، المبررة لاجتياح قطر، أو كسر سيادتها، كلها أسباب تتجه اضطراداَ، لوقف التصعيد، ووضع القضية في أرشيف التحييد الانتقالي، حتى تهيئ الطاولة، لما يُساعد دول المحور من الخروج من الخندق الإعلامي، الذي احتشدوا فيه، دون أي نتيجة عملية، سوى خسائر الخليج الكبرى من أمنه القومي وثروته.
وسيطرح سؤال اعتراضي آخر، هو ماذا عن نفوذ أبو ظبي المطلق في الرياض، الذي يؤكد بصورة مستمرة سعودياً، حتى مهرجان الجنادرية، ومحوره المعادي للدوحة، والذي بات قضية شخصية لولي عهد أبو ظبي، ونقلها إلى الرياض، كيف ستتعامل الدوحة معه؟
ونقول هنا، أن تتسلم أبو ظبي إدارة الشأن السعودي، سيظل وضعاً غير طبيعي، لكنه واقع، وإحدى إشكالية الموقف السياسي في المنطقة، لكن الدوحة عبر التفكير الجديد، يفترض أن تنطلق إلى موقع آخر من هذا الاندماج الطوعي.
ونوضح هنا، أن ما دام ولي العهد السعودي، مرتبطاً بهذه الوضعية، فهو قراره السياسي وقرار دولته، واستراتيجية قطر المستقبلية، تقوم على أن هذا توجه سعودي جديد، وليس لها شأن به، إلا بقدر ما يمسها ويواجهها، وأن هذا الموقف وتأثيره داخليا، وخارجياً، الدوحة ليست معنية به، فهو يخص علاقة أمارة ابوظبي والسعودية.
وما يهم الدوحة بعد فك الاشتباك، والتحضير للمرحلة القادمة، هو تعزيز التحييد الأقصى عن الشأن السعودي، وفي اللحظة التي يستوعب ولي العهد السعودي التاريخ، فيُغير منهجه وطاقمه إلى تكنوقراط سياسي مهني، يرغب في استقلال قراره عن أبو ظبي، وتطوير علاقاته برؤية مستقلة، مع العالم بما فيه قطر.
فإن ذلك الزمن سيُقرأ بمعطياته، لكنه لن يغيّر من قرار الدوحة المفترض، وهو المرابطة على الحياد الحذر جداً مع الرياض، كقاعدة علاقات دائمة، لا تمنع المرونة السياسية واللغة الإيجابية، حين يولد ذلك العهد.
وتقريباً، دخلت الدوحة عبر سلة العلاقات الجديدة، في المسار السياسي والدفاعي، إلى هذه المرحلة، لكن بعض الحدة، والمواجهات الإعلامية، ستغيب حين تبدأ تفاعلات فك الاشتباك، في الأزمة الخليجية.
فهل هذا يعني، قطع روابط الدم والرحم، والجغرافيا الاجتماعية، والملة الإسلامية؟
نقول كلا، فكل الخليج العربي، وقطر والسعودية منهم، ومناطق أخرى من المشرق العربي، متداخلون متصاهرون، أرحام متحدة، وقبائل واحدة، والإسلام الرابطة الكبرى لهم، باتحاد مدراس سنية، أو بمفهومه الأممي الأكبر، وجريمة دول المحور التي لا تغتفر، كانت هذه الحرب على أركان العلاقة والروح الاجتماعية، التي مُزقت بالفصل والقطع، وبنشر الملاعنات بين الشعوب، والله المستعان، ولذلك لا بد من أن تعود روابطها، عند انصرام هذه الفتنة.
غير أن هذه الروابط الطبيعية، لا تعني أنه لم يكن هناك، إشكالات سببت لقطر تكاليف خطيرة، وقد ظنت الدوحة أن ذلك، سيفيدها ويعزز علاقتها مع السعودية، واتضح العكس، وخاصة المذهبية الدينية، ومسؤولية المملكة عن (حركتها الوهابية)، وتطوراتها الزمنية، أو علاقتها ببعدها السياسي أو فروعها الأممية، التي كان الوزير السعودي د. عبد الله التركي، قد كلف برعايتها بكثافة، لصالح نفوذ دولته لعقدين من الزمن.
فهل كان هذا التداخل القطري، أحد أسباب توتير ابوظبي لولي العهد السعودي، وكيف تُنظم هذه العلاقة في استراتيجية قطر، فتنفصل عنها، دون أن تخرج أو تبتعد بشعبها عن الرابطة الايمانية، والمشتركات الفقهية، لكن عبر بنية إسلامية حضارية وايمانية، وبنية ذاتية للخطاب الإسلامي في قطر، ومع العالم.
هذا ما سنطرحه في المقال القادم بعون الله.
بقلم : مهنا الحبيل
اما القضية الثانية المهمة، لفهم هذا المقال، أن المملكة العربية السعودية، الدولة الأكبر في المنطقة، هي في حالة انتقال تاريخي، تعاد عبره بنيتها السياسية والأيديولوجية، وإن بقيت مرتبطة بقواعد وجود أساسية، تعيد تنظيمها في كل دورة.
وان كانت هذه المرحلة، التي دشنها ولي العهد السعودي قبيل اعتلاءه للعرش، لم يُشهد مثلها، مُطلقاً في التاريخ الحديث للدولة السعودية، وهي ذات حدين، بقاء الدولة بصورة تغييرية كبيرة، ستأخذ وقتا حتى تستكمل مشهدها، واستقرارها الاجتماعي، أو سقوط الدولة والنظام السياسي.
وحتّى السقوط الذي لا نتمناه، ونأمل أن يصحو العقل السياسي، ويُعلن عهد إصلاح وطني جاد، يطوي المراهنات الخاطئة للسياسة الخارجية، خاصة بعد الحصاد المر الذي تجرعته المنطقة، في قرار تفجير أزمة الخليج، فهذا السقوط قد يمر بمراحل، ويأخذ فترته الزمنية، وبالتالي الدوحة أمام، موقف ضروري، لوضع تصورها الاستراتيجي، الذي يقوم على منظومتين:
1- أن دلائل التجربة يقينية، بان مساحة وحالة العزل عن الشأن السعودي، واتخاذ التأمين الاستراتيجي معه، وهو الذي تم العمل عليه بجهود مكثفة، خلال الأشهر الماضية، منذ الخامس من حزيران 2017، هو ضرورة قصوى، وهو ما طبقته الدوحة بالفعل، في مسارها الدفاعي والدبلوماسي.
2- أما الثاني فهو يقوم على أن العلاقة مع الرياض، لا بد في نهاية الأمر، أن تنتظم ضمن علاقات طبيعية، من التواصل والجسور الدبلوماسية، لكنها مختلفة كلياً، عن طبيعة العلاقات السابقة، فهي مرحلة علاقات غير صراعية، لكنها ليست حميمية، ولا ودية إلا بالقدر الرسمي المحتاج، لضمان وضع هادئ ومستقر مع الدولة المركزية الحدودية.
وهنا سيرد اعتراض، كيف يطرح مثل هذا التصور، في ظل هذه الملاعنة الإعلامية والتصعيد، الذي يقوم به نفس الفريق التويتري، الذي يدير السياسية الخارجية للرياض، وخاصة خطاب الأزمة، ونجيب بأن:
مهما طالت مثل هذه اللغة، وهذا التصعيد، فهو لا يُمكن أن يستمر إلى مالا نهاية، وليس بالضرورة أن توقف فعاليات الأزمة، عند حزيران 2020، الذي أشار له وزير أمارة ابوظبي أنور قرقاش، فقد تستمر آثارها لما هو أطول.
غير أن الموقف الدولي، وخاصة واشنطن، والظرف الإقليمي بكل أبعاده، وسياسة قطر الدفاعية، وتهاوي روح دوافع الحملات الإعلامية، المبررة لاجتياح قطر، أو كسر سيادتها، كلها أسباب تتجه اضطراداَ، لوقف التصعيد، ووضع القضية في أرشيف التحييد الانتقالي، حتى تهيئ الطاولة، لما يُساعد دول المحور من الخروج من الخندق الإعلامي، الذي احتشدوا فيه، دون أي نتيجة عملية، سوى خسائر الخليج الكبرى من أمنه القومي وثروته.
وسيطرح سؤال اعتراضي آخر، هو ماذا عن نفوذ أبو ظبي المطلق في الرياض، الذي يؤكد بصورة مستمرة سعودياً، حتى مهرجان الجنادرية، ومحوره المعادي للدوحة، والذي بات قضية شخصية لولي عهد أبو ظبي، ونقلها إلى الرياض، كيف ستتعامل الدوحة معه؟
ونقول هنا، أن تتسلم أبو ظبي إدارة الشأن السعودي، سيظل وضعاً غير طبيعي، لكنه واقع، وإحدى إشكالية الموقف السياسي في المنطقة، لكن الدوحة عبر التفكير الجديد، يفترض أن تنطلق إلى موقع آخر من هذا الاندماج الطوعي.
ونوضح هنا، أن ما دام ولي العهد السعودي، مرتبطاً بهذه الوضعية، فهو قراره السياسي وقرار دولته، واستراتيجية قطر المستقبلية، تقوم على أن هذا توجه سعودي جديد، وليس لها شأن به، إلا بقدر ما يمسها ويواجهها، وأن هذا الموقف وتأثيره داخليا، وخارجياً، الدوحة ليست معنية به، فهو يخص علاقة أمارة ابوظبي والسعودية.
وما يهم الدوحة بعد فك الاشتباك، والتحضير للمرحلة القادمة، هو تعزيز التحييد الأقصى عن الشأن السعودي، وفي اللحظة التي يستوعب ولي العهد السعودي التاريخ، فيُغير منهجه وطاقمه إلى تكنوقراط سياسي مهني، يرغب في استقلال قراره عن أبو ظبي، وتطوير علاقاته برؤية مستقلة، مع العالم بما فيه قطر.
فإن ذلك الزمن سيُقرأ بمعطياته، لكنه لن يغيّر من قرار الدوحة المفترض، وهو المرابطة على الحياد الحذر جداً مع الرياض، كقاعدة علاقات دائمة، لا تمنع المرونة السياسية واللغة الإيجابية، حين يولد ذلك العهد.
وتقريباً، دخلت الدوحة عبر سلة العلاقات الجديدة، في المسار السياسي والدفاعي، إلى هذه المرحلة، لكن بعض الحدة، والمواجهات الإعلامية، ستغيب حين تبدأ تفاعلات فك الاشتباك، في الأزمة الخليجية.
فهل هذا يعني، قطع روابط الدم والرحم، والجغرافيا الاجتماعية، والملة الإسلامية؟
نقول كلا، فكل الخليج العربي، وقطر والسعودية منهم، ومناطق أخرى من المشرق العربي، متداخلون متصاهرون، أرحام متحدة، وقبائل واحدة، والإسلام الرابطة الكبرى لهم، باتحاد مدراس سنية، أو بمفهومه الأممي الأكبر، وجريمة دول المحور التي لا تغتفر، كانت هذه الحرب على أركان العلاقة والروح الاجتماعية، التي مُزقت بالفصل والقطع، وبنشر الملاعنات بين الشعوب، والله المستعان، ولذلك لا بد من أن تعود روابطها، عند انصرام هذه الفتنة.
غير أن هذه الروابط الطبيعية، لا تعني أنه لم يكن هناك، إشكالات سببت لقطر تكاليف خطيرة، وقد ظنت الدوحة أن ذلك، سيفيدها ويعزز علاقتها مع السعودية، واتضح العكس، وخاصة المذهبية الدينية، ومسؤولية المملكة عن (حركتها الوهابية)، وتطوراتها الزمنية، أو علاقتها ببعدها السياسي أو فروعها الأممية، التي كان الوزير السعودي د. عبد الله التركي، قد كلف برعايتها بكثافة، لصالح نفوذ دولته لعقدين من الزمن.
فهل كان هذا التداخل القطري، أحد أسباب توتير ابوظبي لولي العهد السعودي، وكيف تُنظم هذه العلاقة في استراتيجية قطر، فتنفصل عنها، دون أن تخرج أو تبتعد بشعبها عن الرابطة الايمانية، والمشتركات الفقهية، لكن عبر بنية إسلامية حضارية وايمانية، وبنية ذاتية للخطاب الإسلامي في قطر، ومع العالم.
هذا ما سنطرحه في المقال القادم بعون الله.
بقلم : مهنا الحبيل