ما هو الدافع وراء البيان الأخير لدول المحور المناهضة لقطر، في الأزمة الخليجية، وتحديداً إقرارهم بأن الكويت هي المرجع لحل الأزمة؟..
هل هو تخلص من تبعات الموقف الأميركي الجديد، الذي يُحضّر لقمة في يونيو المقبل، يسبقها لقاءان مهمان في مارس وأبريل، أحدهما يجمع ترامب مع وليي عهد أبوظبي والسعودية، والثاني مع سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أم أنه استباق للتعامل مع الوضع الجديد للأزمة؟
نحتاج قبل ذلك أن نُحلل بعض المعطيات الرئيسية، خلال هذه المرحلة الأخيرة..
فمن المسلّم به، أن حجم الخسائر التي استنزفها الخليج العربي، وصفقات دول المحور الثلاث، التي حصدتها واشنطن، كانت ضخمة تاريخيا، وحققت قفزة كبيرة لسياسة الجباية الأميركية، لم تحصل منذ حرب الخليج الثانية 1991، وكان من الواضح كشف ضريبة رفض المناشدات التي أُطلقت أول الأزمة، ودعت لأن يتم التجاوب مع جهود الشيخ صباح أمير الكويت مبكراً لحل الأزمة داخل البيت الخليجي، فقوبلت بتعنت شديد، تزامن مع حملة على الكويت تتراجع اليوم دول المحور عنها، وجيد أن تتراجع.
الأمر الثاني، هو علاقة الرئيس الأميركي بقرار الأزمة الأصلي، وهي علاقة مباشرة، وصلت إلى الحد الذي أعطى فيه الضوء الأخضر لاجتياح قطر، بناء على حسابات مصالح وفترة عسكرية محدودة، خالفته فيها أوروبا والمؤسسات الأميركية.
لكن هذا القرار، الذي نجحت عدة جهود في تعطيله، خاصة الحسابات الدولية، أمام قرار تواجد القوات التركية في قاعدتها الجديدة في قطر، هو ما كسر قرار العسكرة، كما أعلن ذلك الشيخ صباح أمير الكويت، في زيارته لواشنطن.
لكن ظلت الأزمة تراوح مكانها، في التصعيد السياسي والإعلامي الشرس، فما الجديد الذي تغير؟
الجديد أن موقف ترامب اقترب من المؤسسات، ونستطيع أن نقول إن هناك تناغما ضمن مصالح واشنطن القومية، فالجباية الكبرى للأزمة تحصّلت مالياً، وتدفق ضخم للملفات الأمنية والسرية لدول الخليج، تطوعا عن طريق هذه الأزمة، التي أشعلتها دول المحور.
وبالتالي هناك سؤال آخر؛ لماذا لا تستمر واشنطن في الحصاد؟
هذا الأمر يخضع لحسابات دقيقة، فرسائل الأزمة وحتّى لو مُكّن اليوم لواشنطن، مساحة إضافية في القواعد العسكرية والنفوذ، لكنه في الحسابات السياسية، أعطى رسالة ضخمة لدول المنطقة، بأنه لا أمان لواشنطن، وإن بقيت حسابات رسائل القواعد، تُستخدم كتحذير ضمني، بين دول الخليج داخلياً، وبينهم وبين بقية دول المنطقة.
وبالتالي حركة تنويع التواجد العسكري، سواءً من تركيا أو عودة النفوذ الإنجليزي الذي باشرته 4 دول من المجلس الخليجي، والذي يتم فعلياً، أو إعطاء بقية دول أوروبا نصيباً، قد يأخذ من كعكة الأميركيين، يؤثر سلباً على هيمنة واشنطن المطلقة.
ثانيا: في الحسابات الأميركية، فإن ما تم من تواصل مع كل الأطراف، لا بد له من وضع نهاية لفك الاشتباك، حتى يتبقى شيء من المصداقية الأميركية، لضمان مصالحها، وعليه فإنه من الصعب لواشنطن، ترك وضع الأزمة الخليجية في هذا المسار، بعد أن عادت الأمور إليها باختيار أطراف الأزمة، وهي حالة هنا مختلفة، عن الاستنزاف طويل المدى الذي تتركه واشنطن، في قضايا أخرى، فمنطقة الخليج حيوية عالميا سياسياً واقتصادياً.
وحجم الفوضى الذي ساد في الأزمة، والملاعنة الإعلامية الشرسة، واستدعاء القبلية والأغاني والشعر، كبديل للعلاقات الدبلوماسية، جعل مشهد حلفاء واشنطن في موضع فوضى، لا يُمكن أن تعبر به سياسات الزمن الجديد، أمام تقدم إيران في سوريا والعراق واليمن، وإن كانت معطيات اللعبة قائمة بين الطرفين، وعزّزت الأزمة فكرة الغرب، أن عقل فارس الذي تتصارع مصالحهم معه، أعمق وأثقل وزناً من شيوخ الخليج الذين أشعلوا هذه القضية.
وواشنطن ليست معنية بهذا التخبط الجاهلي الذي جرى، لكنها تحتاج إلى بنية دول بالحد الأدنى، تحاورهم في قضايا سياسية وأمنية، لا يمكن أن يتم التعامل معها، عبر هذه الرياح الإعلامية المجنونة، وعليه فإن واشنطن لا تَميل إلى إرجاء قرار فك الاشتباك، وإن بقيت مسألة الحفاظ على ما وعدت به واستلمته تنفيذيا، يخضع لبعض المجاملات، التي تُبقي تدفق ثروات الخليج العربي قائما لخزانتها.
ومن هنا فإن استدعاء وساطة الشيخ صباح، ستكون له مسؤولية أخرى على دول المحور، لو أعيد التعامل معها بذات الأسلوب القديم، وهذا غير مرجح، خاصة أن هناك خطا ساخنا بين الكويت وواشنطن، سيعود له الشيخ صباح، كما أعلن عن ذلك في قمته المشتركة مع ترامب، في سبتمبر 2017، وإشارته الضمنية لمسؤولية الدور الأميركي في الأزمة.
أما دول المحور، وخاصة أصحاب القرار وهما أبوظبي والرياض، فقد يكون الهدف لديهم، هو زيادة في الضغط للحصول على أكبر قدر ممكن من موقف قطري، يُعطي مبرراً، أمام شعوب المنطقة، ويُعطي رسالة ضغط في ذات الاتجاه للأميركيين، بأمل انتزاع مواقف من قطر.
وقد تعطي الدوحة مرونة في بعض المسارات، لكن المطالب الرئيسية التي قُدمت للخضوع المالي والسياسي لصالح دول المحور، غير وارد أي تنازل للدوحة فيها، وهناك مساحة في بعض الملفات لتحقيق نصف المرحلة، وهو ما أشار له الشيخ صباح، وخاصة التغطيات واللغة الإعلامية، لكن ستبقى قطر في وضع مستقل بسياستها الخارجية، التي تشهد إجمالاً تحولات كبرى في دول المنطقة.
إن المرحلة التي ستتمخض عنها الأزمة الخليجية، هي وضعية فك الاشتباك، ورفع الحصار عن قطر، وهو أمرٌ يهم قطر بلا أدنى شك، كما يهم شعوب المنطقة، خاصة أن الحصار فتك بالروابط الاجتماعية للناس، وقراباتهم وأرحامهم بكل قسوة، وهو ما لم يعرفه تاريخ أهل الخليج العربي منذ استقلال دولهم، فحتى الصراعات القبلية، كانت تحافظ على بعض الأعراف، التي هُدمت في الأزمة الأخيرة.
لكن الدوحة ستواصل رحلة تحييد العلاقات، بدون خطاب صراعي، وتعزيز سلة علاقاتها الخارجية، وبالتالي هناك قلق مزدوج في دول المحور، الأول فوات مصالح مشتركة كانت تجمع قطر ودول الخليج الثلاث، الثاني حين يفك الاشتباك في الأزمة، فإن ذلك قد يطور علاقات الدول الثلاث التي رفضت الحصار، دون التخلي عن البيت الخليجي، الذي سيحنط في برنامج برتوكولي باهت.
أما الأمر الأخير، فهو مواجهة دول المحور ملفاتها الداخلية، بعد أن أُشغلت كل الساحات والبرامج، والتغطيات وهموم الناس بالأزمة والهجوم على قطر، وهو تحدٍ يبدو أن هناك إعدادا له في كل دولة.
ومع أملنا أن تُسلّم دول المحور لمهمة الشيخ صباح وتدعمها عمليا، لينجح في فك الاشتباك، يبقى أن هذه الأزمة أزاحت الستار عن حجم الفردانية المطلقة، وتغييب الشعوب في الخليج العربي، عن قرارات مصيرية، استنزفته، وكانت تُغنّي لأربعين عاماً خليجنا واحد، حتى أصبح الناس على خليجنا الممزق، بقرار من دوله لا من أعدائه..
إنها ضريبة تغييب الرأي، وحق الشعوب في المشاركة الشعبية.
بقلم : مهنا الحبيل
هل هو تخلص من تبعات الموقف الأميركي الجديد، الذي يُحضّر لقمة في يونيو المقبل، يسبقها لقاءان مهمان في مارس وأبريل، أحدهما يجمع ترامب مع وليي عهد أبوظبي والسعودية، والثاني مع سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أم أنه استباق للتعامل مع الوضع الجديد للأزمة؟
نحتاج قبل ذلك أن نُحلل بعض المعطيات الرئيسية، خلال هذه المرحلة الأخيرة..
فمن المسلّم به، أن حجم الخسائر التي استنزفها الخليج العربي، وصفقات دول المحور الثلاث، التي حصدتها واشنطن، كانت ضخمة تاريخيا، وحققت قفزة كبيرة لسياسة الجباية الأميركية، لم تحصل منذ حرب الخليج الثانية 1991، وكان من الواضح كشف ضريبة رفض المناشدات التي أُطلقت أول الأزمة، ودعت لأن يتم التجاوب مع جهود الشيخ صباح أمير الكويت مبكراً لحل الأزمة داخل البيت الخليجي، فقوبلت بتعنت شديد، تزامن مع حملة على الكويت تتراجع اليوم دول المحور عنها، وجيد أن تتراجع.
الأمر الثاني، هو علاقة الرئيس الأميركي بقرار الأزمة الأصلي، وهي علاقة مباشرة، وصلت إلى الحد الذي أعطى فيه الضوء الأخضر لاجتياح قطر، بناء على حسابات مصالح وفترة عسكرية محدودة، خالفته فيها أوروبا والمؤسسات الأميركية.
لكن هذا القرار، الذي نجحت عدة جهود في تعطيله، خاصة الحسابات الدولية، أمام قرار تواجد القوات التركية في قاعدتها الجديدة في قطر، هو ما كسر قرار العسكرة، كما أعلن ذلك الشيخ صباح أمير الكويت، في زيارته لواشنطن.
لكن ظلت الأزمة تراوح مكانها، في التصعيد السياسي والإعلامي الشرس، فما الجديد الذي تغير؟
الجديد أن موقف ترامب اقترب من المؤسسات، ونستطيع أن نقول إن هناك تناغما ضمن مصالح واشنطن القومية، فالجباية الكبرى للأزمة تحصّلت مالياً، وتدفق ضخم للملفات الأمنية والسرية لدول الخليج، تطوعا عن طريق هذه الأزمة، التي أشعلتها دول المحور.
وبالتالي هناك سؤال آخر؛ لماذا لا تستمر واشنطن في الحصاد؟
هذا الأمر يخضع لحسابات دقيقة، فرسائل الأزمة وحتّى لو مُكّن اليوم لواشنطن، مساحة إضافية في القواعد العسكرية والنفوذ، لكنه في الحسابات السياسية، أعطى رسالة ضخمة لدول المنطقة، بأنه لا أمان لواشنطن، وإن بقيت حسابات رسائل القواعد، تُستخدم كتحذير ضمني، بين دول الخليج داخلياً، وبينهم وبين بقية دول المنطقة.
وبالتالي حركة تنويع التواجد العسكري، سواءً من تركيا أو عودة النفوذ الإنجليزي الذي باشرته 4 دول من المجلس الخليجي، والذي يتم فعلياً، أو إعطاء بقية دول أوروبا نصيباً، قد يأخذ من كعكة الأميركيين، يؤثر سلباً على هيمنة واشنطن المطلقة.
ثانيا: في الحسابات الأميركية، فإن ما تم من تواصل مع كل الأطراف، لا بد له من وضع نهاية لفك الاشتباك، حتى يتبقى شيء من المصداقية الأميركية، لضمان مصالحها، وعليه فإنه من الصعب لواشنطن، ترك وضع الأزمة الخليجية في هذا المسار، بعد أن عادت الأمور إليها باختيار أطراف الأزمة، وهي حالة هنا مختلفة، عن الاستنزاف طويل المدى الذي تتركه واشنطن، في قضايا أخرى، فمنطقة الخليج حيوية عالميا سياسياً واقتصادياً.
وحجم الفوضى الذي ساد في الأزمة، والملاعنة الإعلامية الشرسة، واستدعاء القبلية والأغاني والشعر، كبديل للعلاقات الدبلوماسية، جعل مشهد حلفاء واشنطن في موضع فوضى، لا يُمكن أن تعبر به سياسات الزمن الجديد، أمام تقدم إيران في سوريا والعراق واليمن، وإن كانت معطيات اللعبة قائمة بين الطرفين، وعزّزت الأزمة فكرة الغرب، أن عقل فارس الذي تتصارع مصالحهم معه، أعمق وأثقل وزناً من شيوخ الخليج الذين أشعلوا هذه القضية.
وواشنطن ليست معنية بهذا التخبط الجاهلي الذي جرى، لكنها تحتاج إلى بنية دول بالحد الأدنى، تحاورهم في قضايا سياسية وأمنية، لا يمكن أن يتم التعامل معها، عبر هذه الرياح الإعلامية المجنونة، وعليه فإن واشنطن لا تَميل إلى إرجاء قرار فك الاشتباك، وإن بقيت مسألة الحفاظ على ما وعدت به واستلمته تنفيذيا، يخضع لبعض المجاملات، التي تُبقي تدفق ثروات الخليج العربي قائما لخزانتها.
ومن هنا فإن استدعاء وساطة الشيخ صباح، ستكون له مسؤولية أخرى على دول المحور، لو أعيد التعامل معها بذات الأسلوب القديم، وهذا غير مرجح، خاصة أن هناك خطا ساخنا بين الكويت وواشنطن، سيعود له الشيخ صباح، كما أعلن عن ذلك في قمته المشتركة مع ترامب، في سبتمبر 2017، وإشارته الضمنية لمسؤولية الدور الأميركي في الأزمة.
أما دول المحور، وخاصة أصحاب القرار وهما أبوظبي والرياض، فقد يكون الهدف لديهم، هو زيادة في الضغط للحصول على أكبر قدر ممكن من موقف قطري، يُعطي مبرراً، أمام شعوب المنطقة، ويُعطي رسالة ضغط في ذات الاتجاه للأميركيين، بأمل انتزاع مواقف من قطر.
وقد تعطي الدوحة مرونة في بعض المسارات، لكن المطالب الرئيسية التي قُدمت للخضوع المالي والسياسي لصالح دول المحور، غير وارد أي تنازل للدوحة فيها، وهناك مساحة في بعض الملفات لتحقيق نصف المرحلة، وهو ما أشار له الشيخ صباح، وخاصة التغطيات واللغة الإعلامية، لكن ستبقى قطر في وضع مستقل بسياستها الخارجية، التي تشهد إجمالاً تحولات كبرى في دول المنطقة.
إن المرحلة التي ستتمخض عنها الأزمة الخليجية، هي وضعية فك الاشتباك، ورفع الحصار عن قطر، وهو أمرٌ يهم قطر بلا أدنى شك، كما يهم شعوب المنطقة، خاصة أن الحصار فتك بالروابط الاجتماعية للناس، وقراباتهم وأرحامهم بكل قسوة، وهو ما لم يعرفه تاريخ أهل الخليج العربي منذ استقلال دولهم، فحتى الصراعات القبلية، كانت تحافظ على بعض الأعراف، التي هُدمت في الأزمة الأخيرة.
لكن الدوحة ستواصل رحلة تحييد العلاقات، بدون خطاب صراعي، وتعزيز سلة علاقاتها الخارجية، وبالتالي هناك قلق مزدوج في دول المحور، الأول فوات مصالح مشتركة كانت تجمع قطر ودول الخليج الثلاث، الثاني حين يفك الاشتباك في الأزمة، فإن ذلك قد يطور علاقات الدول الثلاث التي رفضت الحصار، دون التخلي عن البيت الخليجي، الذي سيحنط في برنامج برتوكولي باهت.
أما الأمر الأخير، فهو مواجهة دول المحور ملفاتها الداخلية، بعد أن أُشغلت كل الساحات والبرامج، والتغطيات وهموم الناس بالأزمة والهجوم على قطر، وهو تحدٍ يبدو أن هناك إعدادا له في كل دولة.
ومع أملنا أن تُسلّم دول المحور لمهمة الشيخ صباح وتدعمها عمليا، لينجح في فك الاشتباك، يبقى أن هذه الأزمة أزاحت الستار عن حجم الفردانية المطلقة، وتغييب الشعوب في الخليج العربي، عن قرارات مصيرية، استنزفته، وكانت تُغنّي لأربعين عاماً خليجنا واحد، حتى أصبح الناس على خليجنا الممزق، بقرار من دوله لا من أعدائه..
إنها ضريبة تغييب الرأي، وحق الشعوب في المشاركة الشعبية.
بقلم : مهنا الحبيل