شكّل بث قناة الجزيرة تحقيقا استقصائيا حول المؤامرة الانقلابية الفاشلة ضد نظام الحكم في قطر سنة 1996 بعنوان «ما خفي أعظم» علامة فارقة في تاريخ الإعلام العربي أولا وفي تاريخ العلاقات العربية البينيّة ثانيا.
يمثل البث حالة فريدة في الإعلام العربي، فنادرا ما تبث قناة عربية تقريرا بهذا الوضوح وهذه الدقة خاصة مع حجم الوثائق والأدلة التي صاحبت التقرير الاستقصائي. بث التقرير يتنزل في سياق مشحون عربيا وخليجيا، وفي ظل أزمة خانقة ناتجة عن حصار قطر الذي يمثل حدثا لا ينفصل عن مضمون التقرير نفسه. ثم إنه في جزء منه إجابة ولو غير مباشرة عن الجذور العميقة لحصار قطر فهو قراءة تاريخية تنير الحدث الحاضر وهو الحصار.
إضافة إلى القيمة التاريخية والتوثيقية للتقرير فإنه يضيء زوايا خفية عن طبيعة التغيير السياسي في المنطقة ويكشف من الداخل كيف تدار السياسة العربية بين الدول والأنظمة. الانقلابات عادة عربية واستبدادية قديمة وهي تظهر أساسا مع الأنظمة العسكرية وآخرها الانقلاب المصري الدامي.
التقرير يجمع بين الانقلاب الناعم والتغيير العسكري بسبب وجود قوات خارجية من قوات نظامية ومرتزقة وبسبب وجود الأسلحة في الفعل الانقلابي.
بقطع النظر عن حيثيات العملية وخطورتها فإنها ترسم واقعا عربيا أليما لم يتخلص بعد من القوة الغاشمة سبيلا لتغيير الأنظمة وتفعيل الفوضى وتهديد الاستقرار. إن انتشار المؤامرات وكل أشكال الفعل السياسي القسري ليست إلا عنوانا على بلوغ المنطقة العربية مرحلة متقدمة من الانهيار ومن التفكك لأن أغلب النماذج السياسية الدولية قد قطعت تقريبا مع هذه الممارسة مثل دول أوروبا الشرقية أو دول أميركا اللاتينية.
المنطقة العربية لا تزال تعيش فريسة النظام القمعي العربي الذي تشكل بعد ما يسمى بالاستقلال أو بناء الدولة الوطنية وهي لا تزال تتطور على نفس المنوال والنموذج في عالم يتحرك نحو التكتلات والاتحادات. إن خطورة الحدث وجسامته إنما تتأتى من كونه الفاعل الحقيقي في مصير شعوب المنطقة ومصير دولها. فأزمة المنطقة وانهيارها وانتشار الفوضى بها ليس في الحقيقة إلا نتيجة حتمية للانقلابات السياسية عسكرية كانت أم غير عسكرية.
لن يتحرر الفعل الحضاري عند العرب ما لم تقطع أنظمته مع القلب القسري لأنظمة الحكم التي لن تقتصر على التخلص من أنظمة بعينها بل ستؤدي يوما إلى انهيار كامل البناء الحضاري للأمة لا سمح الله.
بقلم : محمد هنيد
يمثل البث حالة فريدة في الإعلام العربي، فنادرا ما تبث قناة عربية تقريرا بهذا الوضوح وهذه الدقة خاصة مع حجم الوثائق والأدلة التي صاحبت التقرير الاستقصائي. بث التقرير يتنزل في سياق مشحون عربيا وخليجيا، وفي ظل أزمة خانقة ناتجة عن حصار قطر الذي يمثل حدثا لا ينفصل عن مضمون التقرير نفسه. ثم إنه في جزء منه إجابة ولو غير مباشرة عن الجذور العميقة لحصار قطر فهو قراءة تاريخية تنير الحدث الحاضر وهو الحصار.
إضافة إلى القيمة التاريخية والتوثيقية للتقرير فإنه يضيء زوايا خفية عن طبيعة التغيير السياسي في المنطقة ويكشف من الداخل كيف تدار السياسة العربية بين الدول والأنظمة. الانقلابات عادة عربية واستبدادية قديمة وهي تظهر أساسا مع الأنظمة العسكرية وآخرها الانقلاب المصري الدامي.
التقرير يجمع بين الانقلاب الناعم والتغيير العسكري بسبب وجود قوات خارجية من قوات نظامية ومرتزقة وبسبب وجود الأسلحة في الفعل الانقلابي.
بقطع النظر عن حيثيات العملية وخطورتها فإنها ترسم واقعا عربيا أليما لم يتخلص بعد من القوة الغاشمة سبيلا لتغيير الأنظمة وتفعيل الفوضى وتهديد الاستقرار. إن انتشار المؤامرات وكل أشكال الفعل السياسي القسري ليست إلا عنوانا على بلوغ المنطقة العربية مرحلة متقدمة من الانهيار ومن التفكك لأن أغلب النماذج السياسية الدولية قد قطعت تقريبا مع هذه الممارسة مثل دول أوروبا الشرقية أو دول أميركا اللاتينية.
المنطقة العربية لا تزال تعيش فريسة النظام القمعي العربي الذي تشكل بعد ما يسمى بالاستقلال أو بناء الدولة الوطنية وهي لا تزال تتطور على نفس المنوال والنموذج في عالم يتحرك نحو التكتلات والاتحادات. إن خطورة الحدث وجسامته إنما تتأتى من كونه الفاعل الحقيقي في مصير شعوب المنطقة ومصير دولها. فأزمة المنطقة وانهيارها وانتشار الفوضى بها ليس في الحقيقة إلا نتيجة حتمية للانقلابات السياسية عسكرية كانت أم غير عسكرية.
لن يتحرر الفعل الحضاري عند العرب ما لم تقطع أنظمته مع القلب القسري لأنظمة الحكم التي لن تقتصر على التخلص من أنظمة بعينها بل ستؤدي يوما إلى انهيار كامل البناء الحضاري للأمة لا سمح الله.
بقلم : محمد هنيد