سُئل حكيم: هل هناك أقبح من البخل؟
قال: نعم، الكريم إذا تحدث بإحسانه لمن أحسن إليه!
ولعلّ هذا الحكيمُ الذي لا أعرفه قد استقى حكمته من الكتاب النابض بالحكمة، الذي تعرفونه جميعًا ويقول فيه ربنا جلّ في علاه:
«لا تُبطلوا صدقاتكم بالمنِّ والأذى»
ويقول سبحانه في موضع آخر فيه:
«قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى»
والأذى ليس بالضرورة ضربة سيف، ولا جلد سوط، كلمة قد تُحدث في الإنسان جرحًا أعمق مما تحدثه ضربة السيف، وطعنات اللسان توجع تمامًا كطعنات الرماح، وإراقة كرامة إنسان كإراقة دمه!
يعجبني أولئك الذين يُرممون كرامة الإنسان قبل أن يرمموا جيبه، ويسدون مكامن الفقر في قلبه قبل أن يسدوا مكامن الفقر في عوزه! والكلام كالنمل عند السكّر، وكالنحل عند الرحيق، يستدعي بعضه بعضًا! قرأتُ البارحة أن مؤسسة خيرية في بنغلادش لا تعطي الفقراء وجبات الطعام مجانًا بل تبيعها لهم بمبلغ «سنت» واحد تقريبًا كي لا يشعر الفقير أنه يتسول وإنما قد اشترى طعامه بحرّ ماله!
أعجبتني فكرة الصدقة المقنّعة هذه، وإدراك المحسنين أن الفقير ليس معدة خاوية فحسب وإنما كرامة أيضًا، وإشباع الحاجتين معًا عمل عظيم حقًا!
ومنذ سنة تقريبًا قال أحدهم في تويتر: أرافق أبي إلى صلاة الجمعة، فإذا فرغنا من الصلاة عمد أبي إلى الباعة البسطاء في الطريق قرب المسجد واشترى منهم، ولم يكن يجادلهم في السعر أبدًا، حتى قلتُ له: أليست الأسعار أغلى مما هي عليه؟
قال: بلى!
قلتُ: فلم لا تجادلهم؟
قال: صدقة خفية يا ولدي!
وإحدى الظواهر الاجتماعية المقيتة أن الناس يتركون الإكراميات الكثيرة في المطاعم الراقية، ويجادلون البائع المسكين في الطريق في ريال أو دينار!
أيضًا ترك الإكراميات جميل ولا شيء فيه، ولكن السؤال: لماذا على المرء أن يدفع في سبيل البرستيج الزائف، ويجادل البائع المسكين في سبيل الشطارة!
النوايا مناط الأعمال، النية النبيلة هي التي تجعل من عمل صغير عملًا عظيماً، والنية السيئة هي التي تجعل من عمل عظيم وبالًا وخسرانًا، وقد كان ابن سلول يصلي الفجر في المسجد خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم! نصر عظيم أن يهزمك بائع مسكين برضاك في ريال أو درهم، وصدقة مقنّعة أن تنخدع بملء إرادتك، البسطاء طريق يسيرة إلى الجنة، ودروب ممهدة، تعالوا نمشيها بشيء من التغافل النابع من جميل النية، فلن يضيع جميلٌ زرعا! وإن ضاع عند الناس فلا شيء يضيع عند الله!
بقلم : أدهم شرقاوي
قال: نعم، الكريم إذا تحدث بإحسانه لمن أحسن إليه!
ولعلّ هذا الحكيمُ الذي لا أعرفه قد استقى حكمته من الكتاب النابض بالحكمة، الذي تعرفونه جميعًا ويقول فيه ربنا جلّ في علاه:
«لا تُبطلوا صدقاتكم بالمنِّ والأذى»
ويقول سبحانه في موضع آخر فيه:
«قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى»
والأذى ليس بالضرورة ضربة سيف، ولا جلد سوط، كلمة قد تُحدث في الإنسان جرحًا أعمق مما تحدثه ضربة السيف، وطعنات اللسان توجع تمامًا كطعنات الرماح، وإراقة كرامة إنسان كإراقة دمه!
يعجبني أولئك الذين يُرممون كرامة الإنسان قبل أن يرمموا جيبه، ويسدون مكامن الفقر في قلبه قبل أن يسدوا مكامن الفقر في عوزه! والكلام كالنمل عند السكّر، وكالنحل عند الرحيق، يستدعي بعضه بعضًا! قرأتُ البارحة أن مؤسسة خيرية في بنغلادش لا تعطي الفقراء وجبات الطعام مجانًا بل تبيعها لهم بمبلغ «سنت» واحد تقريبًا كي لا يشعر الفقير أنه يتسول وإنما قد اشترى طعامه بحرّ ماله!
أعجبتني فكرة الصدقة المقنّعة هذه، وإدراك المحسنين أن الفقير ليس معدة خاوية فحسب وإنما كرامة أيضًا، وإشباع الحاجتين معًا عمل عظيم حقًا!
ومنذ سنة تقريبًا قال أحدهم في تويتر: أرافق أبي إلى صلاة الجمعة، فإذا فرغنا من الصلاة عمد أبي إلى الباعة البسطاء في الطريق قرب المسجد واشترى منهم، ولم يكن يجادلهم في السعر أبدًا، حتى قلتُ له: أليست الأسعار أغلى مما هي عليه؟
قال: بلى!
قلتُ: فلم لا تجادلهم؟
قال: صدقة خفية يا ولدي!
وإحدى الظواهر الاجتماعية المقيتة أن الناس يتركون الإكراميات الكثيرة في المطاعم الراقية، ويجادلون البائع المسكين في الطريق في ريال أو دينار!
أيضًا ترك الإكراميات جميل ولا شيء فيه، ولكن السؤال: لماذا على المرء أن يدفع في سبيل البرستيج الزائف، ويجادل البائع المسكين في سبيل الشطارة!
النوايا مناط الأعمال، النية النبيلة هي التي تجعل من عمل صغير عملًا عظيماً، والنية السيئة هي التي تجعل من عمل عظيم وبالًا وخسرانًا، وقد كان ابن سلول يصلي الفجر في المسجد خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم! نصر عظيم أن يهزمك بائع مسكين برضاك في ريال أو درهم، وصدقة مقنّعة أن تنخدع بملء إرادتك، البسطاء طريق يسيرة إلى الجنة، ودروب ممهدة، تعالوا نمشيها بشيء من التغافل النابع من جميل النية، فلن يضيع جميلٌ زرعا! وإن ضاع عند الناس فلا شيء يضيع عند الله!
بقلم : أدهم شرقاوي