منذ انطلاق شرارة الحرب والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وقطر تصل الليل بالنهار في سبيل التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، وحماية المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية لأهالي القطاع، وإيجاد حل للقضية الفلسطينية يضمن إقامة دولتها المستقلة على حدود الرابع من يونيو عام «1967»، وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
لم يتحرك قائد كما تحرك حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، انطلاقا من نهج قطر الثابت الذي لم يتغير وإيمانها الراسخ الذي لم يتزعزع بعدالة القضية الفلسطينية، وحق شعبها المشروع في إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني.
منذ السابع من أكتوبر والدوحة خلية نحل لا تهدأ، وكان معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، وفريق العمل في وزارة الخارجية شعلة من النشاط في سبيل ترجمة الأهداف التي تحركت قطر بموجبها، لوقف إطلاق النار ووضع حد للعدوان، دون أن ننسى، بطبيعة الحال، جهود وتحركات وزيرة الدولة للتعاون الدولي بوزارة الخارجية، سعادة السيدة لولوة بنت راشد الخاطر، في غزة للإشراف على تقديم المساعدات الإنسانية للأشقاء الفلسطينيين في ظل الظروف الصعبة التي يتعرضون لها حاليا.
لم تشهد دولة في العالم نشاطا دبلوماسيا مكثفا كما شهدت الدوحة، إلى أن تم التوصل لمجموعة من الهدن أسفرت عن إطلاق سراح عدد كبير من الأسرى والمحتجزين، وعلى الرغم من استئناف العدوان الإسرائيلي على القطاع لم يتسلل اليأس إلى الدبلوماسية القطرية، ولم ينل من شجاعتها وإصرارها على وقف العدوان شيء، وهي تواصل جهودها عبر كافة الوسائل المتاحة لتحقيق الأهداف السامية التي تحركت بموجبها منذ البداية.
أصبحت قطر مركز الدبلوماسية في العالم، ووجهة الباحثين عن الأمن والسلم الدوليين في عالم تشابكت قضاياه، وتأزمت مشكلاته، وزادت حدة، فبدت الدوحة وكأنها واحة الأمل في صحراء السياسة العالمية ووحشتها، منها ينطلق الأمل والرجاء، وإلى وساطاتها الخيرة تتطلع الأفئدة والقلوب أملا في إنهاء كوارث تتوالى ومآس تتالى.
بدأ العدوان على غزة في السابع من أكتوبر، وبعد يوم واحد استقبل صاحب السمو نائبة الرئيس الفنزويلي، وفي «11» أكتوبر استقبل سموه نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الكويتي، وبعد يومين (13 أكتوبر) استقبل سموه وزير الخارجية الأميركي، ثم وزير الخارجية الإيراني (15 أكتوبر) ووزير الدفاع الإيطالي (18 أكتوبر) ورئيس جمهورية كوريا ووزير الخارجية التركي (25 أكتوبر)، وفي التاسع والعشرين من أكتوبر رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، وفي «31» أكتوبر وزير الخارجية الإيراني، وفي الأول من نوفمبر ملك الأردن، وبعد خمسة أيام (5 نوفمبر) وزيرة الخارجية الفرنسية، وبعد يومين (7 نوفمبر) رؤساء المجالس التشريعية الخليجية، ورئيس الوزراء الهولندي (8 نوفمبر)، ورئيس جنوب إفريقيا (15 نوفمبر) وفي السابع والعشرين من نوفمبر رئيس جمهورية قبرص، وبعد يومين (29 نوفمبر) الرئيس الألماني، ثم الرئيس البرازيلي (30 نوفمبر)، والرئيس الفرنسي (2 ديسمبر)، والرئيس الكوبي (3 ديسمبر)، والرئيس التركي (4 ديسمبر).
وكان لصاحب السمو العديد من التحركات الخارجية حيث زار ألمانيا والتقى رئيسها ومستشارها في «12» أكتوبر، وفي التاسع من نوفمبر أجرى محادثات مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة في أبو ظبي، وفي اليوم التالي (10 نوفمبر) التقى الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية الشقيقة في القاهرة، كما عقد محادثات مع الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء بالمملكة العربية السعودية الشقيقة، في اليوم ذاته.
في «11» نوفمبر شارك سموه في القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية في الرياض، حيث ألقى كلمة تناول فيها فشل المجتمع الدولي في تحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية واتخاذ ما من شأنه إيقاف جرائم الحرب والمجازر المرتكبة في غزة باسم الدفاع عن النفس، ووضع حد لهذه الحرب العدوانية.
وفي الأول من ديسمبر شارك صاحب السمو في مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ COP28 بالإمارات والتقى على هامشها ملك بريطانيا ورئيس كولومبيا ورئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، ورئيسي وزراء بريطانيا واليابان.
في كل يوم لقاء أو اتصال، أو مشاورات، وفي كل هذه اللقاءات كانت فلسطين الحاضر الأول، ولطالما آمنت قطر بأن حل القضيةِ الفلسطينية هو أحد المفاتيحِ الرئيسية لاستقرارِ منطقة الشرق الأوسط، فكانت نصير شعبها الأول، حيث لم تترك مناسبة أو منبرا إلا ودعت من خلاله إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، على اعتبار أن من شأن ذلك وحده تحقيق الاستقرار والأمن للمنطقة بأسرها، وهي أيضا لطالما حذرت من أن غياب الأفق السياسي سيقود إلى ما لا تحمد عقباه، ودعت المجتمع الدولي في كل مناسبة إلى تحمل مسؤولياته قبل فوات الآوان، ومن المؤسف أن ما نراه اليوم يعود في جانب رئيسي منه إلى التقاعس الدولي والموقف المتراخي للدول القادرة على التأثير، التي أشاحت بوجهها عن الحقوق الفلسطينية الموثقة بموجب قرارات الشرعية الدولية كما تعكسها قرارات الأمم المتحدة.
وقفة قطر مع الشعب الفلسطيني لن تُنسى، ويوم أمس وجه سموه بعلاج «1500» جريح، وكفالة «3» آلاف يتيم من الشعب الشقيق في قطاع غزة.
ومنذ بدء العدوان، سيرت دولة قطر «36» طائرة محملة بـ «1203» أطنان من المساعدات، تضمنت مواد غذائية وطبية ومستلزمات إيواء، بالإضافة إلى مستشفى ميداني وسيارات إسعاف.
غداً تستضيف قطر الدورة الـ«44» للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وسط تطورات محزنة ومؤلمة يمر بها الشعب الفلسطيني الشقيق، وانعقاد هذه القمة في قطر حيث الجهود تتكثف وتتوالى من أجل التوصل إلى وقف تام ودائم لإطلاق النار، يعطي إشارة أخرى على ما تبذله قطر من جهود استثنائية، وعلى ما تبذله دول المجلس في مساندة الأشقاء في فلسطين، حيث «لن ندخر جهدا واحدا على كافة المستويات لمساعدة الأشقاء»، كما قال الأمين العام لمجلس التعاون.
لا ينام الغزيون من شدة القصف وهول ما يتعرضون له، والدبلوماسية القطرية لا تنام ولا تغفو ولا ترتاح، وهي تتحرك في العالم بأسره من أجل وقف إطلاق النار، والدفع باتجاه حل عادل وشامل، لذلك حظيت بشكر وتقدير الجميع وأبرزهم الرئيس الأميركي الذي سمعناه يقول «أنا مدين بالشكر لصاحب السمو».
يقول السيد نيكيل سيث، الأمين العام المساعد للأمم المتحدة، والمدير التنفيذي لمعهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث (يونيتار)، مشيرا إلى الدور القيم الذي تضطلع به دولة قطر في مجال الوساطة والمساعي الحميدة: «لو كنا سنسلم جائزة أحسن دولة في مجال المفاوضات لتم تسليمها إلى دولة قطر».
ما تقوم به قطر، للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة، وما قامت به سابقا في أكثر من نزاع، يؤكد على قدرات استثنائية للغاية، وفي كل الأحوال فإن ما فعلته وتفعله قد أسهم بشكل وثيق في حماية الأمن والسلم الدوليين، وفي إنقاذ الكثير من الأرواح، وهذه الجهود التي يقودها صاحب السمو يجب أن تُكافأ بالجائزة الأرفع للسلام، جائزة نوبل، فليس هناك على الإطلاق من بذل وقدم، ما بذلته وقدمته قطر، لنزع فتيل التوترات أينما وكلما اقتضت الحاجة.
محمد حمد المري - رئيس التحرير المسؤول