+ A
A -
يقولُ صَفيُّ الدين الهندي وهو من فقهاء الشَّافعية الكبار، ولي القضاء والإفتاء في الشام في عهد الملك المظفر، وهو صاحب كتاب الفائق في أصول الفقه:
كان أقراني يعيبون عليّ سُوء خطي، وكنتُ مرة في السوق، فوقفتُ أمام دكان أحد الوراقين أقلِّبُ في الكتب، فوقفتُ على كتاب لم أرَ في حياتي خطًا أسوأ من خط كاتبه، فاشتريته، وعدتُ إلى البيت سعيدًا، لأحتج به على أقراني أن هناك من أصحاب المؤلفات من خطه أسوأ من خطي، فلما فتحتُ الكتاب وغصتُ فيه، فإذا هو لي، وقد كتبته في أول عهدي بالكتب والتأليف، والله المستعان!
سوء الخط ليس سُبةً، ولا يُنقِصُ من عِلم العالِم، ولا فقه الفقيه، وإن الدنيا لا تكاد تستقيمُ لأحد، فنجد رائع العِلمِ رديء الخط، ونجد رائع الخط رديء العلم، وتجد من لا يعرف أن يزنَ بيت شعرٍ عذب الإلقاء، وكان أحمد شوقي أمير الشعراء لا يلقي قصائده لأنه لا يحسن أن يلقي!
والذي دفعني لهذه البداية في الخط أني قرأتُ البارحة تقريرًا للأكاديمية البريطانية للطب، صادرا عنها في العام 2006 يقول:
خطوط الأطباء تتسبب في وفاة أكثر من سبعة آلاف شخص حول العالم سنويًا!
ومن أمانة النقل أني قرأتُ دراسة تقول إن الأذكياء خطوطهم رديئة في الغالب، والسبب في هذا أن أدمغتهم تعمل بسرعة أكبر مما تعمل أيديهم، فتركض اليد محاولة إدراك سرعة الدماغ!
ولا شك أنكم تعرفون أن البطل منكم من يستطيع قراءة خط طبيب، فالوصفات الطبية أشبه بطلاسم السَّحرة، يوشك أحدنا حين يقع على وصفةِ طبيب أن يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق قبل أن يقرأ حرفًا واحدً!
وكنتُ أعتقد أن كتابة الأطباء لا يفهمها إلا الصيادلة، وأنها أشبه بالرسائل المشفرة التي يكتبها الجنود في الحرب، ولا يستطيع فهمها غير الجنود المعنيين بالرسالة في جهة أخرى من الحرب... إلى أن حدث ذات يوم وذهبتُ إلى الصيدلية لشراء أدوية بوصفة طبية طبعا... فأعطاني هي إلا دواء واحدا أخذ يتهجى اسمه، ويتوقع ما عساه أن يكون مقارنًا مناسبته لاستخدامات الأدوية التي استطاع فكّ طلاسمها ومعرفة هويتها! ولما أعيته الحيلة، اتصل بالطبيب المدون اسمه ورقمه على الوصفة، فسأله عنه وقضي الأمر!
أنا لا أريد أن يكون الطبيب خطاطًا، ولا أريد أن أقرأ الوصفة بنفسي رغم أنّ هذا لا يقدح في عبقريته، ولكن على الأقل أن يستطيع الصيدلي قراءتها! أشعر أحيانًا أن رداءة الخط هي «كورس» يدرسه الأطباء في الجامعة!
وأتفهم أيضًا انشغال الطبيب، وحاجته لفحص جميع المرضى، وارتباطه بين عيادته والمستشفى، ولكن ما ضر الأطباء لو راعوا أنها وصفة دواء وليست طلبية حاجات تكتبها الزوجة لزوجها، فهمها أو لم يفهمها فلا ضرر غير ما ستنكده عليه إن لم يحضر ما طلبت!
وأتساءل ماذا كان ليحدث لو أن الصيدلي لم يتصل بالطبيب حين لم يفهم خطه وقام بالتخمين وأعطاني دواءً غير ما أراده الطبيب!
طبعًا الرقم الموجود في إحصائية الأكاديمية الطبية البريطانية يذكر حالات الوفاة، يا تُرى كم عدد الذين أصيبوا بالتسمم أو المضاعفات الصحية ولم يأتِ التقرير على ذكرهم؟
أيها الأطباء: حسنوا خطوطكم يرحمكم الله!
بقلم : أدهم شرقاوي
كان أقراني يعيبون عليّ سُوء خطي، وكنتُ مرة في السوق، فوقفتُ أمام دكان أحد الوراقين أقلِّبُ في الكتب، فوقفتُ على كتاب لم أرَ في حياتي خطًا أسوأ من خط كاتبه، فاشتريته، وعدتُ إلى البيت سعيدًا، لأحتج به على أقراني أن هناك من أصحاب المؤلفات من خطه أسوأ من خطي، فلما فتحتُ الكتاب وغصتُ فيه، فإذا هو لي، وقد كتبته في أول عهدي بالكتب والتأليف، والله المستعان!
سوء الخط ليس سُبةً، ولا يُنقِصُ من عِلم العالِم، ولا فقه الفقيه، وإن الدنيا لا تكاد تستقيمُ لأحد، فنجد رائع العِلمِ رديء الخط، ونجد رائع الخط رديء العلم، وتجد من لا يعرف أن يزنَ بيت شعرٍ عذب الإلقاء، وكان أحمد شوقي أمير الشعراء لا يلقي قصائده لأنه لا يحسن أن يلقي!
والذي دفعني لهذه البداية في الخط أني قرأتُ البارحة تقريرًا للأكاديمية البريطانية للطب، صادرا عنها في العام 2006 يقول:
خطوط الأطباء تتسبب في وفاة أكثر من سبعة آلاف شخص حول العالم سنويًا!
ومن أمانة النقل أني قرأتُ دراسة تقول إن الأذكياء خطوطهم رديئة في الغالب، والسبب في هذا أن أدمغتهم تعمل بسرعة أكبر مما تعمل أيديهم، فتركض اليد محاولة إدراك سرعة الدماغ!
ولا شك أنكم تعرفون أن البطل منكم من يستطيع قراءة خط طبيب، فالوصفات الطبية أشبه بطلاسم السَّحرة، يوشك أحدنا حين يقع على وصفةِ طبيب أن يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق قبل أن يقرأ حرفًا واحدً!
وكنتُ أعتقد أن كتابة الأطباء لا يفهمها إلا الصيادلة، وأنها أشبه بالرسائل المشفرة التي يكتبها الجنود في الحرب، ولا يستطيع فهمها غير الجنود المعنيين بالرسالة في جهة أخرى من الحرب... إلى أن حدث ذات يوم وذهبتُ إلى الصيدلية لشراء أدوية بوصفة طبية طبعا... فأعطاني هي إلا دواء واحدا أخذ يتهجى اسمه، ويتوقع ما عساه أن يكون مقارنًا مناسبته لاستخدامات الأدوية التي استطاع فكّ طلاسمها ومعرفة هويتها! ولما أعيته الحيلة، اتصل بالطبيب المدون اسمه ورقمه على الوصفة، فسأله عنه وقضي الأمر!
أنا لا أريد أن يكون الطبيب خطاطًا، ولا أريد أن أقرأ الوصفة بنفسي رغم أنّ هذا لا يقدح في عبقريته، ولكن على الأقل أن يستطيع الصيدلي قراءتها! أشعر أحيانًا أن رداءة الخط هي «كورس» يدرسه الأطباء في الجامعة!
وأتفهم أيضًا انشغال الطبيب، وحاجته لفحص جميع المرضى، وارتباطه بين عيادته والمستشفى، ولكن ما ضر الأطباء لو راعوا أنها وصفة دواء وليست طلبية حاجات تكتبها الزوجة لزوجها، فهمها أو لم يفهمها فلا ضرر غير ما ستنكده عليه إن لم يحضر ما طلبت!
وأتساءل ماذا كان ليحدث لو أن الصيدلي لم يتصل بالطبيب حين لم يفهم خطه وقام بالتخمين وأعطاني دواءً غير ما أراده الطبيب!
طبعًا الرقم الموجود في إحصائية الأكاديمية الطبية البريطانية يذكر حالات الوفاة، يا تُرى كم عدد الذين أصيبوا بالتسمم أو المضاعفات الصحية ولم يأتِ التقرير على ذكرهم؟
أيها الأطباء: حسنوا خطوطكم يرحمكم الله!
بقلم : أدهم شرقاوي