+ A
A -
في الصين وقبل ألفين وخمسمائة سنةٍ تقريباً ظهرتْ «مملكة وو»، وبدأتْ تفرضُ نفسَها قوة جديدة يُحسبُ لها حسابٌ على الأرض! ولكن كان ينقصُها التاريخ والحضارة، وهما إرثٌ سيُحَقَّقُ إن تمكنتْ من السيطرةِ على «المملكةِ الوسطى» صاحبة الإرثِ الحضاري والتاريخي الكبير! وزَّع ملكُ «وو» جيشه في أكثر من جهة، ولكن وزيره «هسيو» حذَّره من هذا، وقالَ له: ركِّز في حربِكَ ضد عدو واحد، لا تُقاتل أكثر من مملكةٍ في وقتٍ واحد.ضحكَ الملكُ من نصيحةِ وزيره، وقالَ له بشيءٍ من الاستعلاءِ والغرور: أنتَ جبان يا «هسيو»!وعندما أمرَ الملكُ وزيرَه أن يخوضَ حملةً عسكريةً ضد مملكة «يويه» رفضَ أن يُنفذَ الأمر لأن هذا سيجعلُ المملكة مكشوفة، لا بُدَّ أن تبقى فيها قوة تُدافعُ عنها إن تعرضتْ لهجوم، عدو واحدٌ يكفي يا جلالة الملك، يكفي، لا تستعدِ الجميع! هذا آخر ما قاله «هسيو».اعتبرَ الملكُ هذا خيانةً، وعصياناً للأوامر، فأمرَ وزيره أن يقتلَ نفسه أمامه. وقبل أن يغرسَ «هسيو» الخنجرَ في صدره، قال للملك: عندما تفيضُ روحي، اقتلعْ عينيَّ، وضعهما على بوابةِ المملكةِ، أُريدُ أن أرى جيوش الأعداءِ عندما تجتاحها!قتلَ «هسيو» نفسه تنفيذاً لأمرِ الملك، وقامَ الملكُ بقلعِ عينيه وعلّقَهُما على بوابةِ المملكةِ في خطوةٍ هازئةٍ أخرى!ولكن لم يمضِ وقت طويل حتى سمعَ ملكُ «المملكةِ الوسطى» بفراغِ مملكةِ «وو» من جيشِها فقادَ حملةً عسكريةً ضخمةً ضدها واحتلَّها، وعندما طوَّقوا قصر الملك المغرور شعرَ أن عيون وزيره ترمقه بنظراتِ الشماتة، فقررَ أن ينتحر، وهكذا انتهتْ مملكة «وو» إلى غيرِ رجعة! لا شيء يجعلُ المرء مغروراً كالنجاح، ولا شيء يجعلُ المرء حكيماً وحذراً كالفشل! لهذا خافوا على الذين نجحوا بسرعةٍ أكثر مما تخافون على الذين تعثَّروا أول الطريق! النجاحُ مدعاةٌ للغرور، والغرورُ مقبرةُ الأبطال، وحدهم الذين لا تُسكرهم نجاحاتهم يبقون في القمة!أما الفشل فمدرسةٌ بحد ذاتها، إنه يكسرُ النفس، ويقضي على الاستعلاء، ويُعلِّمُنا دقةَ الحسابات، ويُذيقنا ألمَ السقوط، والذين يتعلمون الدرس من الفشلِ غالباً ما يُحققون نجاحات ساحقة، أو بالأحرى لا يُوجد ناجحٌ إلا وكان له عثرة! لا تُشَتِّتْ قواك، الذي يخوضُ أكثر من معركةٍ في وقتٍ واحدٍ يُستنزف! والذي يريدُ كل العصافير التي على الشجرة في الغالبِ يخسرُ العصفور الذي في يده! لا أعلم حكمة الله تعالى وراء خلقه السماواتِ والأرض في ستةِ أيامٍ وقد كان قادراً على أن يخلقَها في جزءٍ من الثانية، ويُخيَّلُ إليَّ أنه أرادنا أن نتأنى!
copy short url   نسخ
17/07/2022
0