تغيير مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا كان مطروحا على طاولة البحث في حكومة الوحدة الوطنية منذ أشهر، والأسباب عديدة؛ من أبرزها الخلاف الحاد بين وزير الطاقة في الحكومة ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط، ويبدو أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية مال إلى وزيره في تنازعه مع رئيس المؤسسة.لكن اتجاه الأزمة بين الحكومة والمؤسسة اختلف اليوم، ومن الواضح أن السياسية فعلت فعلها في إدارة هذه الأزمة، فتعيين فرحات بن قدارة بديلا عن مصطفى صنع الله يخرج بالقضية من مجالها الإداري والفني ويجعلها ضمن التدافع السياسي الذي يخضع في أحايين كثيرة إلى السلوك البراغماتي ونهج «الصفقات».. بن قدارة ليس ابن قطاع النفط ولا خبرة له في إدارته، والقطاع يعج بالكفاءات ومن السهل التوافق على خبير في النفط وفي إدارته وغير متورط في التجاذبات السياسية. هذا علاوة عن الجذور السياسية لبن قدارة وانجراره إلى الصراع بعد الانقسام السياسي، من خلال دعم عملية الكرامة ومساندة منتظمها السياسي والإداري في الشرق.مصادر عدة تحدثت عن صفقة بين خليفة حفتر وعبد الحميد الدبيبة، مضمونها تكليف بن قدارة بالمؤسسة مقابل فتح حقول وموانئ النفط، ذلك أن الضغوط على الاثنين كبيرة.الأيام القادمة ستكشف عن طبيعة ما جرى وحجمه، وإذا ما كان من قبيل التنازلات المحدودة من الطرفين للتخفيف من الضغوط عليهما وأن النزاع والتدافع سيظل قائما إلى أن ترجح كفة أحدهما على الآخر، أو نصل إلى محطة الانتخابات، أم أن ما جرى في اليومين الماضيين بداية مرحلة جديدة من الوفاق بينهما لا يقتصر على ملف النفط.وما يمكن التأكيد عليه أن التقارب بين الدبيبة وحفتر قابل للتطور، وأنه يمكن أن يضعف المسارات الأخرى الموازية، لكنه بالقطع لن يكون من دون تداعيات، فحفتر لن يقبل بأنصاف الحلول إلا مرحليا، وهناك المكونات السياسية والاجتماعية في الشرق الذين أملوا خيرا في قرار إقالة الدبيبة، والقاهرة بدت معزولة في هذه الصفقة، وروسيا فقدت حالة إيجابية بالنسبة لها، وهي وقف إمدادات النفط والغاز الليبي، ساعدتها على تأزيم الوضع في المعسكر المناكف لها،وتعقيبا على ما صدر من تحفظ على إقالة صنع الله من السفيرين الأميركي والبريطاني، فأظن أنه موقف لا يكشف بشكل صريح عن رغبة اميركا وبريطانيا في عودة ضخ النفط الليبي، فهذه نتيجة مهمة بالنسبة لواشنطن ولندن وحلفائهما وهم يواجهون العناد الروسي وردود فعل موسكو على دعم الغرب لأوكرانيا باستعمال النفط كورقة ضغط.{ عربي 21