الحياة سلسلة من الأحداث والمواقف المتجددة. إنها زاخرة بشتى صنوف التحديات والنزاعات التي تستحث الإنسان على فعل شيء إزاءها. فمنذ لحظة ميلادنا وحتى آخر يوم في هذا الوجود، نصارع الأيام وندافعها في سبيل البقاء.
الطريق إلى حيث تريد ليس مفروشاً بالأزهار الوردية، ولا معبّداً يخلو من المطبات والعقبات الجسام، ولا مختصراً سريعاً نقفز فيه من موضع إلى آخر بغمضة عين؛ بل هو طريق مليء بالأشواك الدامية، والصعوبات التي يمكن أن تقسم الظهر، والحواجز التي تحول بيننا وبين تحقيق ما ننشده.
كثيرون يظنون أن هذا العالم موطن لكل ما يشتهونه بمجرد أن يطلبوه، وبأن الحياة مدينة لهم بالخيرات والنعم والحظوظ الجيدة، لكن الواقع هو أن الحياة لا تدين لأحد بشيء، ولا تعامل تحابي إنساناً؛ فسننها تسري على الجميع وضرباتها المؤلمة تصيب الكل، حتى العظماء وأثرى الأثرياء لا ينجون من أهوالها.
لا تكمن المعضلة الكبرى في الصعوبات التي تواجهنا عبر مسيرتنا، بل في كيفية تعاطينا مع المشكلات التي تعترضنا وما إذا كنا نتقبل الواقع أم ننكره. ولذلك فالناس ينقسون إلى فئتين رئيسيتين هما: من يتقبلون واقعهم والوجود بكل ما فيه من حلو ومر، ويدركون أن الأماني لا يمكن تحقيقها إلا بالجهد والكفاح المستمرين والصبر على طول الطريق، إلى جانب تحمل المسؤولية والتعلم من أخطائهم وفشلهم. إنهم يطبقون المثل القائل: «الضربة التي لا تقسم ظهري تقويني». ومن يرفضون واقع حالهم ويرفضون تحمل مسؤولية حياتهم ولا يقبلون الخطأ ويعتبرون السقوط لمرة هزيمة نهائية ساحقة؛ فيعيشون أعمارهم في الشكوى ولوم الناس والظروف الخارجية، بدلاً من النظر إلى المرآة ليروا مصدر مشكلاتهم الأساسي.
إن الناجح لا يخشى الأهوال، وإذا سقط يحرص على أن يسقط على ظهره حتى يعاون النهوض من جديد، ويتعلم كل يوم من أخطائه، ويعد الإخفاق جزءاً من رحلة النجاح ومعلماً مخلصاً هدفه إرشاده إلى الطريق الصحيح. أما الفاشل الذي يبكي حظه العاثر فلا يعاود النهوض إذا وقع، ولا يقبل أن يرتكب أبسط الأخطاء، فيحاسب نفسه حساباً عسيراً ويفقد عزيمته أمام أول إخفاق أو مشكلة تعترضه. إنه مهزوز الثقة بالنفس، قليل الإيمان بغد أجمل، متقاعس عن بذل الجهد اللازم لتحقيق ما يريده؛ لذلك يبقى معظم عمره في القاع بدلاً من أن يحلق نحو القمة.
عظامك ليست مصنوعة من الزجاج حتى تتكسر أمام التحديات التي تضعها الحياة في وجهك. أنت لست هشّاً ضعيفاً إلى هذه الدرجة؛ ففيك انطوى العالم الأكبر. إن بداخل كل إنسان منا طاقات دفينة وقدرات هائلة تبحث عن مخرج لها لتزهر وترى النور.
دع الحياة تضربك، تصدمك، تؤلمك. اسمح للهزيمة أن تشق طريقها إليك، وافتح للأخطاء باباً بمحض إرادتك. فليغدر بك الغادرون، وليخذلك المحبون. فلتيأس ولتحزن ولتخض في بحر الآلام عميقاً حتى تجد ذاتك الحرة وتتعلم من أخطائك وتختبر الصبر والصمود في وجه أعتى المواقف والأحداث.
في الجزء السادس من سلسلة أفلام روكي للممثل الشهير سلفستر ستالون، يقف روكي بالبوا ناصحاً ابنه بالقول: «مهما كنت جسوراً فسيحاول العالم جعلك راكعاً للأبد… إن أنت تركته. ليست العبرة بقوة ضرباتك، بل بقدرتك على تلقّي الضربات وتحملها والاستمرار قدماً للأمام. هذه هي طريقة صنع النجاح».
فلا تهرب من الحياة، ولا تتخاذل عند الفشل، ولا تستسلم أمام العقبات، ولا تسمح لإنسان أن يحدد مصيرك ويحكم عليك. تعلم من أخطائك وسامح نفسك على طول الطريق، واصبر وكافح ودع الحياة بضرباتها القوية تقويك وتزيدك إصراراً على بلوغ الهدف.