من محاسن الأزمة الخليجية أنها أسقطت الأقنعة، وكشفت الوجوه على حقيقتها، وأظهرت مواقف الدول بشكل واضح وفاضح، بدون تضليل أو مساحيق تجميل..
فعرفنا كل دولة وما تكنه في الضمير من مشاعر ومطامع تجاه الغير.. وكل مسؤول وطريقة تفكيره وتعامله مع الأحداث.. وكيف يطلق التصريحات والأحاديث..
واتضح لنا، بما لا يدع مجالا للشك، أن مَنْ في منطقتنا من أصحاب النفوذ والقرار يفتقدون للحكمة والحنكة، ويتمتعون بقدر وافر من الاندفاع والمراهقة والتطفّل.. لذلك صدق من قال إنها: «أزمة وتعرّي»!
وعندما نتحدث عن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لا بد من مراعاة أنه جاء على رأس الخارجية، خلفا للأمير سعود الفيصل، رحمه الله، وهذه عقدة سترافقه طيلة حياته، وتنغص عليه أوقاته، وتخلط كل أوراقه.
ومع أنه يملك الشهادات، ويحسن النطق بعدة لغات، إلا أنه يتأتئ في الكلمات، ومتوجس في العبارات، ويفتقد للكاريزما والقدرات، ويخلط أحيانا بين المسؤوليات ولا تستطيع جامعة جورجتاون، التي حصل منها على درجة الماجستير في العلوم السياسية، أن تجعله ضليعا في شؤون السياسة، أو مستنيرا بمسالكها ودروبها، وإلا ما أخطأ ذلك الخطأ الفادح عندما «تلقّف»، وتصدى لترجمة حديث الرئيس الأميركي الذي قال فيه إن بعض الدول في الشرق الأوسط «لن تصمد أسبوعا دون الحماية الأميركية»، وإنه يريد من هذه الدول- التي لم يسمها- الدفع بالأموال والجنود لدعم الجهود الأميركية في سوريا.
ومما قاله الجبير «المستجير»، إنه يجب على الدوحة أن تدفع ثمن وجود القوات الأميركية في سوريا قبل أن يلغي الرئيس الأميركي دونالد ترامب حماية دولة قطر المتمثلة في وجود قاعدة عسكرية أميركية على أراضيها، وهو أخطأ مرتين، أو بالأحرى كذب مرتين:
الأولى عندما اعتبر أن حديث الرئيس الأميركي كان موجها لقطر، وأنها هي المقصودة به، ذلك أن تصريحات الرئيس الأميركي قصد بها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، وليس قطر كما زعم وزير الخارجية السعودي، وهذا ما أوضحته صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، التي رأت فيه أيضا استخفافا بـالسعودية والإمارات.
أما الخطأ الثاني فهو أدهى وأمر، إذ تجاهل وزير الخارجية السعودي حديثا موجها إلى حكومته مباشرة، ولجأ إلى حركة هزيلة تدل على حالة الضعف والانبطاح التي تعيشها الرياض حاليا، وذلك في محاولة بائسة من أجل تشتيت الانتباه، مع أن المهنية كانت تفترض عليه أن يرد بقوة، احتراما لبلاده التي طالما صدّعونا بالهياط والشيلات ودق الخشوم وتغيير التاريخ والجغرافيا، فيما الواقع يقول إنهم غيّروا فقط بالأحلام والأفلام والسينما والمصارعة الحرة..
لكن الوزير «الأجير» تحول، بقدرة قادر، إلى مجرد موظف في طاقم الناطقين باسم البيت الأبيض والخارجية الأميركية، ونسي موقعه كوزير خارجية، لدولة يفترض أن لها مكانتها واحترامها.. لكن البشت أكبر من مقاس الوزير.
وكانت قناة «سي إن إن» قد أوردت أن ترامب انتقد أوائل أبريل زعيماً خليجياً (لم يسمه) في محادثات خاصة، نقلها الرئيس الأميركي لاحقاً إلى أصدقائه، قال فيها: «من دوننا لن تستمروا في الحكم أسبوعين، وعليكم أن تستغلوا الطيران التجاري بدلاً من طائراتكم الخاصة».
تقول الصحف الأميركية، نقلا عن خبراء ومحللين معتبرين، منهم كريستيان أولريتشسين الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط بمعهد بيكر لدراسة السياسات العامة بواشنطن، إن تصريحات ترامب تسببت في انفجار غضب وحنق مكتومين، خاصة في الإمارات، مستطردة بالقول: «إن هناك إحساساً بضياع الفرصة بعد كل ما بذلوه للتأثير في تفكير الإدارة الأميركية الحالية».
وأشارت صحيفة أميركية إلى الاستياء الواسع الذي عبر عنه بعض المعلقين ورجال الأعمال بالإمارات، وبينهم بروفيسور تويتر المتوتر والموتور عبد الخالق عبد الله، الذي غرد رداً على ترامب قائلاً إن بلاده وبلداناً أخرى ستبقى بعد أن يغادر ترامب السلطة، ورجل الأعمال خلف الحبتور صاحب حديث الخمور الذي وصف تصريحات ترامب بأنها «مرفوضة» وجاهلة بتاريخ الخليج.
ومما زاد من غيظ هؤلاء إشارة الرئيس ترامب لدى اللقاء الذي جمع صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى به، عندما قال إن صاحب السمو محبوب من شعبه، وهي إشارة في غاية الأهمية حيث إنها تنطوي على مضامين لها مغزاها، ورسائل لها فحواها، أهمها أن أي محاولة لإحداث تغير سيكون مصيرها الفشل، بفضل هذا التكاتف، وهذا الحب والولاء لصاحب السمو، في حين أن بعض قيادات الخليج كما قال ترامب «من دوننا لن تستمروا في الحكم أسبوعين».
وحده الوزير «بتشوف»، وجه سهام النقد لقطر، مطالباً إياها بدفع تكاليف القوات الأميركية في سوريا، وإرسال قواتها إلى هناك قبل أن يسحب ترامب حمايته من قطر، مع أن السعودية، وببساطة شديدة، هي من طالبته بإبقاء قواته هناك عندما أعلن عن رغبته في سحبها.
مازلنا نتذكر ما قاله الجبير، وهو يبدي استخفافه بالشعب القطري في بداية الحصار، عندما أشار إلى أن بلاده ممكن ترسل لهذا الشعب، الدواء والغذاء، وما ردده هو وغيره من أن حكومة قطر لن تصمد أسبوعين، واليوم يطلبون فزعة القوات القطرية في سوريا، بعد أن خسروها في اليمن، ومنذ خروجها والحوثي يضرب ويدافع ويهاجم في الحد الجنوبي وليس في العمق اليمني.. بل إن صواريخه الباليستية - وليست «البلاستيكية» بحسب رأي السيسي - قد وصلت الرياض وتصدى لها الدفاع الجوي السعودي بعد أن تلقوا صافرات الإنذار من الاستراحات في أطراف الرياض، مصحوبة بالنداء التالي: «الصاروخ جاكم ياعيااااال»! واليوم الجبير «يستخف» مرة أخرى، ولكن هذه المرة يستخف دمه أو عقله أو بوزن بلده، عبر تجاهل مقاصد ترامب الحقيقية وتبني تصريحاته وتفسيرها وترجمتها وكأنه قارئ فنجال عند مقهوي الديوان الملكي وقائد الذباب الإلكتروني، أو كأنه محلل رياضي لأحد البرامج يتوقع النتائج، كما توقعها توتو وناسة وهو يشاهد جولة من المصارعة الحرة، وقام قبل إعلان النتيجة يضرب على خشبة المسرح واحد.. اثنين.. ثلاثة وكأنه مدرب أو مصارع معتزل.. فيما يظهر خلفه علم إيران الشريفة في المدرجات بمقاس حجم بلوتو سبع مرات!
أو ربما تأثر بمشاهدة مفسر الأحلام وبائع الأوهام
وسيم يوسف، فأصبح يتحدث في الخيال ويتكلم
بـ «الخبال».. فتحول إلى شخص خفيف وطرحه سخيف!
وبعيدا عن الوزير التابع لـ «مقهوي الديوان وشيخ الذبان» وعن تفسيرات الأحلام والكوابيس وهيئة المصارعة والمكابيس.. والتي اختلطت عليهم المقاييس، فأصبح وزراء دول الحصار في دوامة ويدورون حول أنفسهم، كما فعل وزير الحزن، وهو يودع سائقي الليموزين فردا فردا في مطار القاهرة، باعتبــارهــا «وصية أبوهم زايد»، وفقدوا بوصلتهم واختبصت تخصصاتهم.. فوزير خارجية الريتويت يتحدث باسم أبوظبي وقرقاش الإمارات نيابة عن السعودية والجبير باسم قطر والولايات المتحدة الأميركية ودليم باسم الحفلات والولائم والهاكر والشعر والحفر وبلوتو باسم هيئة الرياضة والمصارعة الحرة والحركة الفنية والثقافية وسلسلة مطاعم الرومانسية!
نقول بعيدا عن شلة الهياط والتفحيط السياسي.. نتوقف عند حدث جلل توقف عنده العالم أجمع، ومن سوء حظ الجبير، أنه تزامن مع «شروحاته» المشروخة لكلام ترامب، ذلك الحدث هو الاجتماع التاريخي عند الحد الفاصل للكوريتين كمثال جديد ومهم وله الكثير من الدلالات على أن الصراعات تحل بالحوار، مهما بدت كبيرة، متوترة، متفجرة.. كما في الصراع الكوري الذي شهد حربا اندلعت في 25 يونيو 1950 عندما هاجمت كوريا الشمالية كوريا الجنوبية، وتوسع نطاق الحرب بعد ذلك، عندما دخلت الأمم المتحدة بقيادة الولايات المتحدة، ثم الصين أطرافا فيها. وانتهى الصراع بالتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في 27 يوليو 1953، ليعيش البلدان على وقع حرب باردة طيلة عقود اكتشفا بعدها «أن الدم لا يتحول إلى ماء» وأن العقل يفرض الحوار فرضا، وهو ما كان.
الحوار هو الشيء الأقل تكلفة على الإطلاق، ومازلنا نتذكر جميعا حديث الرئيس الأميركي عندما قال: إن على كوريا الجنوبية دفع ثمن الدرع الصاروخية الأميركية البالغة قيمتها مليار دولار أميركي، لنكتشف أخيرا أن كوريا الجنوبية لا تحتاج إلى درع وسلاح، بل تحتاج وجارتها إلى السماح، وتجاوز الخلاف المكثف بحوار غير مكلف، ثمنه قطع بضعة سنتيمترات بين الحدود الفاصلة مشيا على الأقدام، متى ما سادت الثقة وتغلب العقل وحسن الظن، وبغض النظر عن ما ستؤول إليه النتائج، لكن يبقى اختيار الطريقة المناسبة للحل أهم من النتائج أحيانا، وفي حال وجود تصادم وصدام، لابد أن يقابلهما مرونة وتنازل من طرفي النزاع للمرور من هذه المرحلة.. وهذا لن يتأتى إلا من خلال حوار مستفيض.. وبالتالي هم يقطعون الطريق على المتكسبين على مائدة الأزمة والمبتزين لأطرافها.
كان على شطري كوريا الاختيار بين المضي في التسليح على حساب رفاهية شعبيهما، وبين اللجوء إلى حوار بناء تحكمه الثقة ومصلحة الشعب، فكان الخيار الأخير، وهو دليل رقي، نأمل لو أن الوزير الجبير تأمل في مغزاه قبل أن يسبقه لسانه، لذلك قيل «لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه»، ولو أن الجبير أمعن النظر قليلا لاكتشف أن عملية الابتزاز التي رفضتها كوريا، تشبه عمليات ابتزاز مشابهة تتعرض لها بلاده، حتى أصبحت تسمّى بـ «البقرة الحلوب»، حتى وإن حاول تجميل الصورة، وعوضا عن أن يلجأ إلى محاولة حرف الأنظار باتجاه قطر، وهو يعرف أكثر من غيره أن المقصورد بها السعودية، كان عليه أن يبحث عن بدائل أقل تكلفة بكثير وهي متاحة ومتوفرة، لو تم تغليب حسن النية.
هل فات كل ذلك على الجبير، وهل صحيح أنه لا يرى ما يحدث حوله، وهو الدارس في أهم الجامعات الأميركية؟، شخصيا لا أعتقد أن الرجل يفتقد للقدرة على الفهم والتحليل، لكنه اختار الاتكال على إمارة الشر والجهل والسوء، وارتضى لنفسه تلقي الأوامر منها ومن قائد الذباب الإلكتروني دليم، فصار وسيلة للتهكم والسخرية، وما فعله أخيرا برهان ناصع على المدى الذي انحدر إليه من أجل الإساءة لقطر وقضيتها.. الصغيرة جدا جدا جدا.
ختاما.. ونحن على بعد نحو شهر من اتمام عام كامل على إجراءات الحصار الجائر ضد قطر، فان وطننا يقف صامدا وشامخا، لم يهتز ولم يتأثر، وذلك يعود بعد – فضل الله – إلى تماسك وتلاحم شعبنا الأبي، مع قيادته الرشيدة، التي تخطط بإحكام، وتدير موارد الدولة بإتقان، فاقتصادنا الوطني الذي يتنامى رغم انف الحصار، ورغم المكائد والمؤامرات، اقتصاد متنوع، وقائم على المعرفة.. ونحن بألف خير بدونهم.
وما حبانا الله تعالى به من نعم، بحكمة ونتيجة تخطيط علمي سليم، تحت سيادة القانون والدستور.. وفي أجواء من الشفافية تفضي إلى تحقيق العدالة بين الجميع.. فلا يوجد انتهاكات لحقوق الإنسان ولا اقتصاد قائم على «الرز» ولا موازنة إضافية من «الريتز»..!
بقلم:محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول
فعرفنا كل دولة وما تكنه في الضمير من مشاعر ومطامع تجاه الغير.. وكل مسؤول وطريقة تفكيره وتعامله مع الأحداث.. وكيف يطلق التصريحات والأحاديث..
واتضح لنا، بما لا يدع مجالا للشك، أن مَنْ في منطقتنا من أصحاب النفوذ والقرار يفتقدون للحكمة والحنكة، ويتمتعون بقدر وافر من الاندفاع والمراهقة والتطفّل.. لذلك صدق من قال إنها: «أزمة وتعرّي»!
وعندما نتحدث عن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لا بد من مراعاة أنه جاء على رأس الخارجية، خلفا للأمير سعود الفيصل، رحمه الله، وهذه عقدة سترافقه طيلة حياته، وتنغص عليه أوقاته، وتخلط كل أوراقه.
ومع أنه يملك الشهادات، ويحسن النطق بعدة لغات، إلا أنه يتأتئ في الكلمات، ومتوجس في العبارات، ويفتقد للكاريزما والقدرات، ويخلط أحيانا بين المسؤوليات ولا تستطيع جامعة جورجتاون، التي حصل منها على درجة الماجستير في العلوم السياسية، أن تجعله ضليعا في شؤون السياسة، أو مستنيرا بمسالكها ودروبها، وإلا ما أخطأ ذلك الخطأ الفادح عندما «تلقّف»، وتصدى لترجمة حديث الرئيس الأميركي الذي قال فيه إن بعض الدول في الشرق الأوسط «لن تصمد أسبوعا دون الحماية الأميركية»، وإنه يريد من هذه الدول- التي لم يسمها- الدفع بالأموال والجنود لدعم الجهود الأميركية في سوريا.
ومما قاله الجبير «المستجير»، إنه يجب على الدوحة أن تدفع ثمن وجود القوات الأميركية في سوريا قبل أن يلغي الرئيس الأميركي دونالد ترامب حماية دولة قطر المتمثلة في وجود قاعدة عسكرية أميركية على أراضيها، وهو أخطأ مرتين، أو بالأحرى كذب مرتين:
الأولى عندما اعتبر أن حديث الرئيس الأميركي كان موجها لقطر، وأنها هي المقصودة به، ذلك أن تصريحات الرئيس الأميركي قصد بها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، وليس قطر كما زعم وزير الخارجية السعودي، وهذا ما أوضحته صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، التي رأت فيه أيضا استخفافا بـالسعودية والإمارات.
أما الخطأ الثاني فهو أدهى وأمر، إذ تجاهل وزير الخارجية السعودي حديثا موجها إلى حكومته مباشرة، ولجأ إلى حركة هزيلة تدل على حالة الضعف والانبطاح التي تعيشها الرياض حاليا، وذلك في محاولة بائسة من أجل تشتيت الانتباه، مع أن المهنية كانت تفترض عليه أن يرد بقوة، احتراما لبلاده التي طالما صدّعونا بالهياط والشيلات ودق الخشوم وتغيير التاريخ والجغرافيا، فيما الواقع يقول إنهم غيّروا فقط بالأحلام والأفلام والسينما والمصارعة الحرة..
لكن الوزير «الأجير» تحول، بقدرة قادر، إلى مجرد موظف في طاقم الناطقين باسم البيت الأبيض والخارجية الأميركية، ونسي موقعه كوزير خارجية، لدولة يفترض أن لها مكانتها واحترامها.. لكن البشت أكبر من مقاس الوزير.
وكانت قناة «سي إن إن» قد أوردت أن ترامب انتقد أوائل أبريل زعيماً خليجياً (لم يسمه) في محادثات خاصة، نقلها الرئيس الأميركي لاحقاً إلى أصدقائه، قال فيها: «من دوننا لن تستمروا في الحكم أسبوعين، وعليكم أن تستغلوا الطيران التجاري بدلاً من طائراتكم الخاصة».
تقول الصحف الأميركية، نقلا عن خبراء ومحللين معتبرين، منهم كريستيان أولريتشسين الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط بمعهد بيكر لدراسة السياسات العامة بواشنطن، إن تصريحات ترامب تسببت في انفجار غضب وحنق مكتومين، خاصة في الإمارات، مستطردة بالقول: «إن هناك إحساساً بضياع الفرصة بعد كل ما بذلوه للتأثير في تفكير الإدارة الأميركية الحالية».
وأشارت صحيفة أميركية إلى الاستياء الواسع الذي عبر عنه بعض المعلقين ورجال الأعمال بالإمارات، وبينهم بروفيسور تويتر المتوتر والموتور عبد الخالق عبد الله، الذي غرد رداً على ترامب قائلاً إن بلاده وبلداناً أخرى ستبقى بعد أن يغادر ترامب السلطة، ورجل الأعمال خلف الحبتور صاحب حديث الخمور الذي وصف تصريحات ترامب بأنها «مرفوضة» وجاهلة بتاريخ الخليج.
ومما زاد من غيظ هؤلاء إشارة الرئيس ترامب لدى اللقاء الذي جمع صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى به، عندما قال إن صاحب السمو محبوب من شعبه، وهي إشارة في غاية الأهمية حيث إنها تنطوي على مضامين لها مغزاها، ورسائل لها فحواها، أهمها أن أي محاولة لإحداث تغير سيكون مصيرها الفشل، بفضل هذا التكاتف، وهذا الحب والولاء لصاحب السمو، في حين أن بعض قيادات الخليج كما قال ترامب «من دوننا لن تستمروا في الحكم أسبوعين».
وحده الوزير «بتشوف»، وجه سهام النقد لقطر، مطالباً إياها بدفع تكاليف القوات الأميركية في سوريا، وإرسال قواتها إلى هناك قبل أن يسحب ترامب حمايته من قطر، مع أن السعودية، وببساطة شديدة، هي من طالبته بإبقاء قواته هناك عندما أعلن عن رغبته في سحبها.
مازلنا نتذكر ما قاله الجبير، وهو يبدي استخفافه بالشعب القطري في بداية الحصار، عندما أشار إلى أن بلاده ممكن ترسل لهذا الشعب، الدواء والغذاء، وما ردده هو وغيره من أن حكومة قطر لن تصمد أسبوعين، واليوم يطلبون فزعة القوات القطرية في سوريا، بعد أن خسروها في اليمن، ومنذ خروجها والحوثي يضرب ويدافع ويهاجم في الحد الجنوبي وليس في العمق اليمني.. بل إن صواريخه الباليستية - وليست «البلاستيكية» بحسب رأي السيسي - قد وصلت الرياض وتصدى لها الدفاع الجوي السعودي بعد أن تلقوا صافرات الإنذار من الاستراحات في أطراف الرياض، مصحوبة بالنداء التالي: «الصاروخ جاكم ياعيااااال»! واليوم الجبير «يستخف» مرة أخرى، ولكن هذه المرة يستخف دمه أو عقله أو بوزن بلده، عبر تجاهل مقاصد ترامب الحقيقية وتبني تصريحاته وتفسيرها وترجمتها وكأنه قارئ فنجال عند مقهوي الديوان الملكي وقائد الذباب الإلكتروني، أو كأنه محلل رياضي لأحد البرامج يتوقع النتائج، كما توقعها توتو وناسة وهو يشاهد جولة من المصارعة الحرة، وقام قبل إعلان النتيجة يضرب على خشبة المسرح واحد.. اثنين.. ثلاثة وكأنه مدرب أو مصارع معتزل.. فيما يظهر خلفه علم إيران الشريفة في المدرجات بمقاس حجم بلوتو سبع مرات!
أو ربما تأثر بمشاهدة مفسر الأحلام وبائع الأوهام
وسيم يوسف، فأصبح يتحدث في الخيال ويتكلم
بـ «الخبال».. فتحول إلى شخص خفيف وطرحه سخيف!
وبعيدا عن الوزير التابع لـ «مقهوي الديوان وشيخ الذبان» وعن تفسيرات الأحلام والكوابيس وهيئة المصارعة والمكابيس.. والتي اختلطت عليهم المقاييس، فأصبح وزراء دول الحصار في دوامة ويدورون حول أنفسهم، كما فعل وزير الحزن، وهو يودع سائقي الليموزين فردا فردا في مطار القاهرة، باعتبــارهــا «وصية أبوهم زايد»، وفقدوا بوصلتهم واختبصت تخصصاتهم.. فوزير خارجية الريتويت يتحدث باسم أبوظبي وقرقاش الإمارات نيابة عن السعودية والجبير باسم قطر والولايات المتحدة الأميركية ودليم باسم الحفلات والولائم والهاكر والشعر والحفر وبلوتو باسم هيئة الرياضة والمصارعة الحرة والحركة الفنية والثقافية وسلسلة مطاعم الرومانسية!
نقول بعيدا عن شلة الهياط والتفحيط السياسي.. نتوقف عند حدث جلل توقف عنده العالم أجمع، ومن سوء حظ الجبير، أنه تزامن مع «شروحاته» المشروخة لكلام ترامب، ذلك الحدث هو الاجتماع التاريخي عند الحد الفاصل للكوريتين كمثال جديد ومهم وله الكثير من الدلالات على أن الصراعات تحل بالحوار، مهما بدت كبيرة، متوترة، متفجرة.. كما في الصراع الكوري الذي شهد حربا اندلعت في 25 يونيو 1950 عندما هاجمت كوريا الشمالية كوريا الجنوبية، وتوسع نطاق الحرب بعد ذلك، عندما دخلت الأمم المتحدة بقيادة الولايات المتحدة، ثم الصين أطرافا فيها. وانتهى الصراع بالتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في 27 يوليو 1953، ليعيش البلدان على وقع حرب باردة طيلة عقود اكتشفا بعدها «أن الدم لا يتحول إلى ماء» وأن العقل يفرض الحوار فرضا، وهو ما كان.
الحوار هو الشيء الأقل تكلفة على الإطلاق، ومازلنا نتذكر جميعا حديث الرئيس الأميركي عندما قال: إن على كوريا الجنوبية دفع ثمن الدرع الصاروخية الأميركية البالغة قيمتها مليار دولار أميركي، لنكتشف أخيرا أن كوريا الجنوبية لا تحتاج إلى درع وسلاح، بل تحتاج وجارتها إلى السماح، وتجاوز الخلاف المكثف بحوار غير مكلف، ثمنه قطع بضعة سنتيمترات بين الحدود الفاصلة مشيا على الأقدام، متى ما سادت الثقة وتغلب العقل وحسن الظن، وبغض النظر عن ما ستؤول إليه النتائج، لكن يبقى اختيار الطريقة المناسبة للحل أهم من النتائج أحيانا، وفي حال وجود تصادم وصدام، لابد أن يقابلهما مرونة وتنازل من طرفي النزاع للمرور من هذه المرحلة.. وهذا لن يتأتى إلا من خلال حوار مستفيض.. وبالتالي هم يقطعون الطريق على المتكسبين على مائدة الأزمة والمبتزين لأطرافها.
كان على شطري كوريا الاختيار بين المضي في التسليح على حساب رفاهية شعبيهما، وبين اللجوء إلى حوار بناء تحكمه الثقة ومصلحة الشعب، فكان الخيار الأخير، وهو دليل رقي، نأمل لو أن الوزير الجبير تأمل في مغزاه قبل أن يسبقه لسانه، لذلك قيل «لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه»، ولو أن الجبير أمعن النظر قليلا لاكتشف أن عملية الابتزاز التي رفضتها كوريا، تشبه عمليات ابتزاز مشابهة تتعرض لها بلاده، حتى أصبحت تسمّى بـ «البقرة الحلوب»، حتى وإن حاول تجميل الصورة، وعوضا عن أن يلجأ إلى محاولة حرف الأنظار باتجاه قطر، وهو يعرف أكثر من غيره أن المقصورد بها السعودية، كان عليه أن يبحث عن بدائل أقل تكلفة بكثير وهي متاحة ومتوفرة، لو تم تغليب حسن النية.
هل فات كل ذلك على الجبير، وهل صحيح أنه لا يرى ما يحدث حوله، وهو الدارس في أهم الجامعات الأميركية؟، شخصيا لا أعتقد أن الرجل يفتقد للقدرة على الفهم والتحليل، لكنه اختار الاتكال على إمارة الشر والجهل والسوء، وارتضى لنفسه تلقي الأوامر منها ومن قائد الذباب الإلكتروني دليم، فصار وسيلة للتهكم والسخرية، وما فعله أخيرا برهان ناصع على المدى الذي انحدر إليه من أجل الإساءة لقطر وقضيتها.. الصغيرة جدا جدا جدا.
ختاما.. ونحن على بعد نحو شهر من اتمام عام كامل على إجراءات الحصار الجائر ضد قطر، فان وطننا يقف صامدا وشامخا، لم يهتز ولم يتأثر، وذلك يعود بعد – فضل الله – إلى تماسك وتلاحم شعبنا الأبي، مع قيادته الرشيدة، التي تخطط بإحكام، وتدير موارد الدولة بإتقان، فاقتصادنا الوطني الذي يتنامى رغم انف الحصار، ورغم المكائد والمؤامرات، اقتصاد متنوع، وقائم على المعرفة.. ونحن بألف خير بدونهم.
وما حبانا الله تعالى به من نعم، بحكمة ونتيجة تخطيط علمي سليم، تحت سيادة القانون والدستور.. وفي أجواء من الشفافية تفضي إلى تحقيق العدالة بين الجميع.. فلا يوجد انتهاكات لحقوق الإنسان ولا اقتصاد قائم على «الرز» ولا موازنة إضافية من «الريتز»..!
بقلم:محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول