+ A
A -
ماتَ ابنها الوحيد عندما بلغ الخامسة عشرة من عمره.
فقال الزوج لزوجته: كل أبناء كاليفورنيا يجب أن يكونوا أبناءنا!
هذا الزوج اسمه «ليلاند ستانفورد» لم يجد طريقة في أن يجعل جميع أولاد كاليفورنيا أبناءه سوى أن يبني لهم جامعة! واليوم تعتبر جامعة «ستانفورد» إحدى أعرق الجامعات في العالم!
إن كان من نبلاء في العالم، فهم أولئك الذين يعطون الآخرين ما حرموه هم!
«ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا»
لقد كان ليلاند ستانفورد نبيلا حقًا!
وإن كان هذا الذي بنى جامعة تقتضي العدالة أن نشهد له بالنبل وإن خالفناه فكرًا ومعتقدًا، فكيف بمن بنى أمة، واتّبعناه اقتداءً وإيمانًا وحبًا وهيامًا، ومن سواه غير رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون!
وليس الحديث سياقه المقارنة، فقد قال الشاعر:
ألم تر أن السيف ينقص قدره
إذا قيل إن السيف أمضى من العصا
وحاشاه سيد الناس أن يقارن به غيره!
ولكن الكلام يجر بعضه بعضًا، ولا بد للحديث من فاتحة، وإلا فحيث وضع رسولنا قدمه تشرفتُ بوضع رأسي!
وإن المتأمل في حياته صلى الله عليه وسلم يجدها مسلسلاً طويلاً من الحرمان، هكذا هم الأنبياء، أشد الناس بلاءً وهم على ذلك أكثرهم عطاءً، وخيرهم أعطاهم!
إن الذي حُرم القراءة والكتابة، قضى في أسرى بدر بأن من كان منكم يحسن القراءة والكتابة فليعلم عشرة من المسلمين فذلك عتاقه! جاؤوه بالسيف، فأخذ منهم القلم، لم يرد أن يُحرم المسلمون مما حرم هو منه، وما حرمه إلا لتكون معجزة لا منقصة، وإلا لو كان الكمال رجلاً لكان هو!
وإن الذي حُرم حنان الأبوة طفلاً، فجاء إلى الدنيا فوجد أباه قد غادرها قبل مجيئه هو الذي أمر ببر الآباء، وأوصى بحسن تربية الأبناء!
والذي حُرم حنان أمه وهو ابن ست سنوات، هو الذي أجاب السائل عن أحق الناس بصحبته: «أمك، أمك، أمك، ثم أبوك!»
وإن الذي حُرم زوجته في مكة وهو بأمس الحاجة إليها، فخديجة لم تكن زوجة فقط، بل كانت جبهته الداخلية، وخطوطه الخلفية، وطريق إمداده مالاً، وحُبًا، هو الذي قال يوصينا في آخر عهده من الدنيا «واستوصوا بالنساء خيرًا» و«خيركم، خيركم لأهله».
وإن الفقير الذي كان يرعى الغنم لسادة قريش على دراهم قليلة يتقاضاها، هو الذي جاء بالزكاة، وحثَّ على الصدقة، وأرسى مبدأ التكافل!
الحياة مليئة بالحرمان، وقلما تعطي كل شيء لأحد، وإننا حين نرى ما أُعطي فلان، فإننا لا نرى ما الذي حُرم منه، ومن المفترض أن الذي حُرم من الشيء هو أكثر الناس بذلاً له لأنه أعرف الناس بلوعة الحرمان منه، وعلينا أن نفكر بنبل، ونتصرف بنبل.. فالذي لم تمتد إليه يد المساعدة، فليمدد بها يدًا، فقد جرب حرمانها!
والذي لم يجد حنان الأب، فليغدق على أولاده، فقد جرب حرمانه!
والذي شهد معاملة أبيه السيئة لأمه فليكرم زوجته، فقد جرب معنى أن تهان أم على مرأى من ابنها.
والتي لم تجد صديقة جيدة، فلتكن هي الصديقة الجيدة.
إن معاقبة الآخرين بأشياء حرمناها نحن لن يعوضنا حرماننا القديم، لا شيء كالعطاء يعوض الإنسان ما فقد!
بقلم : أدهم شرقاوي
فقال الزوج لزوجته: كل أبناء كاليفورنيا يجب أن يكونوا أبناءنا!
هذا الزوج اسمه «ليلاند ستانفورد» لم يجد طريقة في أن يجعل جميع أولاد كاليفورنيا أبناءه سوى أن يبني لهم جامعة! واليوم تعتبر جامعة «ستانفورد» إحدى أعرق الجامعات في العالم!
إن كان من نبلاء في العالم، فهم أولئك الذين يعطون الآخرين ما حرموه هم!
«ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا»
لقد كان ليلاند ستانفورد نبيلا حقًا!
وإن كان هذا الذي بنى جامعة تقتضي العدالة أن نشهد له بالنبل وإن خالفناه فكرًا ومعتقدًا، فكيف بمن بنى أمة، واتّبعناه اقتداءً وإيمانًا وحبًا وهيامًا، ومن سواه غير رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون!
وليس الحديث سياقه المقارنة، فقد قال الشاعر:
ألم تر أن السيف ينقص قدره
إذا قيل إن السيف أمضى من العصا
وحاشاه سيد الناس أن يقارن به غيره!
ولكن الكلام يجر بعضه بعضًا، ولا بد للحديث من فاتحة، وإلا فحيث وضع رسولنا قدمه تشرفتُ بوضع رأسي!
وإن المتأمل في حياته صلى الله عليه وسلم يجدها مسلسلاً طويلاً من الحرمان، هكذا هم الأنبياء، أشد الناس بلاءً وهم على ذلك أكثرهم عطاءً، وخيرهم أعطاهم!
إن الذي حُرم القراءة والكتابة، قضى في أسرى بدر بأن من كان منكم يحسن القراءة والكتابة فليعلم عشرة من المسلمين فذلك عتاقه! جاؤوه بالسيف، فأخذ منهم القلم، لم يرد أن يُحرم المسلمون مما حرم هو منه، وما حرمه إلا لتكون معجزة لا منقصة، وإلا لو كان الكمال رجلاً لكان هو!
وإن الذي حُرم حنان الأبوة طفلاً، فجاء إلى الدنيا فوجد أباه قد غادرها قبل مجيئه هو الذي أمر ببر الآباء، وأوصى بحسن تربية الأبناء!
والذي حُرم حنان أمه وهو ابن ست سنوات، هو الذي أجاب السائل عن أحق الناس بصحبته: «أمك، أمك، أمك، ثم أبوك!»
وإن الذي حُرم زوجته في مكة وهو بأمس الحاجة إليها، فخديجة لم تكن زوجة فقط، بل كانت جبهته الداخلية، وخطوطه الخلفية، وطريق إمداده مالاً، وحُبًا، هو الذي قال يوصينا في آخر عهده من الدنيا «واستوصوا بالنساء خيرًا» و«خيركم، خيركم لأهله».
وإن الفقير الذي كان يرعى الغنم لسادة قريش على دراهم قليلة يتقاضاها، هو الذي جاء بالزكاة، وحثَّ على الصدقة، وأرسى مبدأ التكافل!
الحياة مليئة بالحرمان، وقلما تعطي كل شيء لأحد، وإننا حين نرى ما أُعطي فلان، فإننا لا نرى ما الذي حُرم منه، ومن المفترض أن الذي حُرم من الشيء هو أكثر الناس بذلاً له لأنه أعرف الناس بلوعة الحرمان منه، وعلينا أن نفكر بنبل، ونتصرف بنبل.. فالذي لم تمتد إليه يد المساعدة، فليمدد بها يدًا، فقد جرب حرمانها!
والذي لم يجد حنان الأب، فليغدق على أولاده، فقد جرب حرمانه!
والذي شهد معاملة أبيه السيئة لأمه فليكرم زوجته، فقد جرب معنى أن تهان أم على مرأى من ابنها.
والتي لم تجد صديقة جيدة، فلتكن هي الصديقة الجيدة.
إن معاقبة الآخرين بأشياء حرمناها نحن لن يعوضنا حرماننا القديم، لا شيء كالعطاء يعوض الإنسان ما فقد!
بقلم : أدهم شرقاوي