+ A
A -
هل كانت طهران تجهل، أن تحالفها القوي مع تل أبيب، في قيادة الموقف العالمي، خاصة المركز الغربي في البيت الأبيض وموسكو، نحو تصفية الثورة السورية سينتهي، وتبدأ معركة صعبة حول الغنائم؟
لا يُمكن أبداً القول، إن مثل هذه البديهية، غابت عن عقل طهران المراوغ، والمفاوض الذكي، غير أننا وقبل الاستطراد، نلفت النظر نحو حقيقة مهمة جداً، في تيه الموقف العربي، مقارنة بالطرف غير العربي، إقليمياً ودولياً.
فالأطراف العربية تغوّلت في داخل الثورة السورية، لكن حراكها كان مراقباً، ويسير نحو الهدف المركزي للتصور الدولي، الذي اقتنع بتقدير تل أبيب وطهران الحاسم، وهذا التغوّل بدعم المشيخات السلفية الجهادية، من داخل الخليج إلى قلب المعركة، أو مجمل فوضى الميدان، أو إسقاط المجلس الوطني مقابل الائتلاف، ثم إسقاط الائتلاف، مقابل الهيئة العليا، ثم إسقاط الهيئة العليا وانقسامها، لصالح معارضة موسكو.
كل تلك التفاصيل، أنتجت أرضية مهمة، لسقوط المركز الثوري المستقل، وغابت البراغماتية، التي تلعبها حركات النضال، لمصلحة شعب الثورة، إلى البراغماتية التي تحقق مصالح، شخصيات الثورة السياسية أو الميدانية، مع سحب أي مشروع مستقل من يديها، في ظل مرونة البيت السوري، المحسوب على الثــورة، وليونته في أيدي الشريك العربي.
وبالمجمل، فإن الناتج العام، لم يُحقق للشريك العربي شيئاً مطلقاً، بل كان هذا الإخفاق، هو أحد مسببات الصراع الخليجي الداخلي، كما أن قَلب الغرب الفواتير، على الخليج، في قضية الربيب السلفي الجهادي الوهابي، أصبح كرة نار تُدحرج، عند كل موسم يحتاجه الغرب، لاستنزافهم، بمعنى أن العملية فشلت فشلاً ذريعاً، من كل الأطراف الخليجية.
وربما كان توغّل موسكو في الميدان، الذي تم بعد مفاوضات مباشرة وصريحة، بين الرئيس الروسي، والأميركي في حينه باراك أوباما، أكبر من تقديرات الغرب، غير أن الفكرة الأساسية، في إسقاط الثورة السورية نهائياً، بقيت ببعدها الاستراتيجي، كونها مهدّد مشترك، لأمن إسرائيل ومصالح الغرب، لو قام حكم ديمقراطي، ولو تدرجت قوّته، فلن يُقبل بأي حال في معقل الهلال الخصيب، وقلب سوريا الكبرى.
وبالتالي كان الدور الإيراني فعّال جداً، كونه يحصد على الأرض الفشل الوظيفي العربي، وأخطاء تركيا الأولى في الميدان، وأصبح الحصاد في النهاية، يتجه لصالح الروس والإيرانيين، غير أن أنقرة، قررت التحول في آخر لحظة، للتعامل مع هذا الصعود الإقليمي، لضمان حصتها، لصالح أمنها القومي الإقليمي، وبالفعل تحقق هذا الأمر، وأُخرج العرب من الملعب السوري الكبير كلياً، بعد فشلهم الذريع، وجنايتهم على الثورة.
هنا، وبعد ضمان تصفية الثورة السورية، وهو واقع كلي اليوم، وليس توقعاً مستقبلياً، بدأت حسابات الحلفاء، تتخذ موقع التنافس والصراع، وأضاف تحول التحالف الروسي الإيراني، كمحور قائم التأثير في المشرق العربي، إلى بعد مقلق للطرف المنتصر، على الثورة، دون أن يرفع الراية، وهو الغرب المركزي وتل أبيب.
والعقل الإسرائيلي، لا يُغفل حسابات هذا الانتصار، وتأثيراتها الإقليمية الكبرى عليه، فحالة سوريا مختلفة عن العراق، إذ إن إطلاق يد الإيرانيين في العراق، لم يكن ذا أهمية، بعد ضمان فكرة تدمير وحدة العراق، وجيشه الجديد، بعد معركة الفاو التاريخية، التي كانت آثارها أكبر على حلف شمال الأطلسي، من طهران التي هُزمت ميدانياً.
أما إطلاق يد الإيرانيين في سوريا، فكان لا بد له من تعامل فوري خاص، بعد هزيمة الثورة كلياً، واستثمار حرب الوعاظ الوهابيين الطائفية، التي توسعت عبرها ميلشيات إيران الشيعية، بأكبر بوابة تمكن ودعم عالمي، لمشروعها الإقليمي في سوريا الكبرى.
لكن ماذا بعد طرد وعاظ الوهابية، عبر المخابرات الراعية التي غيّرت ثوبها، أو بعد التعقب الميداني لشبابهم الحائر بعد خديعته، في الكماشة الغربية؟
هنا التفكير الإسرائيلي الأعمق، وصراعه الاستباقي مع الحليف الإيراني، في مواجهة الثورة، كان يقرأ بدقة معنى سقوط سوريا كلياً، في قبضة الذراع الإيرانية، وهو ذراع ذكية ظل العرب يلعنونه في العراق، حتى خضعوا لجسور اضطرارية مذلة مع ممثليه، ذات الممثلين الطائفيين في بغداد، فلم تولد في العراق، أي بنية سياسية مدنية بديلة، منفصلة عن العملية السياسية الطائفية.
وقد يكون لطبول الحرب التي يقرعها نتانياهو، ويدعمها ترامب، أثر واقعي على الأرض، أكبر من العمليات السابقة، غير أن المدخل الأساسي، في ظل مراجعة طهران للمشهد، يعتمد على العبور بين هاذين المسارين:
1 - قدرة طهران على استيعاب الدورات الأولى من التصعيد، واستنزافها للموقف المشتعل، وفي ذات الوقت فتح الأبواب، أمام التنسيق الأوروبي العماني المشترك القوي، لاحتواء الموقف وتحييد الحرب، ضمن الحوار السري، الذي سيكون ماكرون قريباً منه.
2 - إن موسكو أيضاً، لن تتدخل في الضربات الأولى، لكن لا يسعها السكوت الكلي، عن صراع الطرفين الإقليميين، فأحدهما محسوب عليها، وبالتالي الخط الساخن بين موسكو وتل أبيب، لا بد له من سقف يعتمده، ولم ولن تُقدم تل أبيب على هدم هذا التفاهم، فالروس ليسوا عرب المشرق، ولهم لعبتهم الخاصة.
وهناك مساحة ضغط كبيرة على النظام، في الشارع الإيراني فكرية وسياسية، لكن لو دققنا المشهد وشرحّناه، لوجدنا أن قوى التحرر المدني الإيــراني المعــارض، ســـواءً في الفكر الليبرالي أو اليساري الديمقراطي، فضلاً عن اليســـار الشيعي المختلــط بفلسفة الحكم، لم يُشعل الشارع في مثل هذه المواسم، التي تكررت من قبل، والتي تُدق فيها طبول الحرب، والمراقب المتصل بهذه المنطقة، يدرك معنى هذا الموقف، وتكرار حقيقته على الأرض.
وبالتالي نحن اليوم في أجواء مواجهة، ستتحول إلى اتفاق تسوية جديد، ستبقى عبره لعبة التوازن الإقليمي الدولي، ويبقى لعرب الخليج أحلام الوهم وتسديد الفواتير.
بقلم : مهنا الحبيل
لا يُمكن أبداً القول، إن مثل هذه البديهية، غابت عن عقل طهران المراوغ، والمفاوض الذكي، غير أننا وقبل الاستطراد، نلفت النظر نحو حقيقة مهمة جداً، في تيه الموقف العربي، مقارنة بالطرف غير العربي، إقليمياً ودولياً.
فالأطراف العربية تغوّلت في داخل الثورة السورية، لكن حراكها كان مراقباً، ويسير نحو الهدف المركزي للتصور الدولي، الذي اقتنع بتقدير تل أبيب وطهران الحاسم، وهذا التغوّل بدعم المشيخات السلفية الجهادية، من داخل الخليج إلى قلب المعركة، أو مجمل فوضى الميدان، أو إسقاط المجلس الوطني مقابل الائتلاف، ثم إسقاط الائتلاف، مقابل الهيئة العليا، ثم إسقاط الهيئة العليا وانقسامها، لصالح معارضة موسكو.
كل تلك التفاصيل، أنتجت أرضية مهمة، لسقوط المركز الثوري المستقل، وغابت البراغماتية، التي تلعبها حركات النضال، لمصلحة شعب الثورة، إلى البراغماتية التي تحقق مصالح، شخصيات الثورة السياسية أو الميدانية، مع سحب أي مشروع مستقل من يديها، في ظل مرونة البيت السوري، المحسوب على الثــورة، وليونته في أيدي الشريك العربي.
وبالمجمل، فإن الناتج العام، لم يُحقق للشريك العربي شيئاً مطلقاً، بل كان هذا الإخفاق، هو أحد مسببات الصراع الخليجي الداخلي، كما أن قَلب الغرب الفواتير، على الخليج، في قضية الربيب السلفي الجهادي الوهابي، أصبح كرة نار تُدحرج، عند كل موسم يحتاجه الغرب، لاستنزافهم، بمعنى أن العملية فشلت فشلاً ذريعاً، من كل الأطراف الخليجية.
وربما كان توغّل موسكو في الميدان، الذي تم بعد مفاوضات مباشرة وصريحة، بين الرئيس الروسي، والأميركي في حينه باراك أوباما، أكبر من تقديرات الغرب، غير أن الفكرة الأساسية، في إسقاط الثورة السورية نهائياً، بقيت ببعدها الاستراتيجي، كونها مهدّد مشترك، لأمن إسرائيل ومصالح الغرب، لو قام حكم ديمقراطي، ولو تدرجت قوّته، فلن يُقبل بأي حال في معقل الهلال الخصيب، وقلب سوريا الكبرى.
وبالتالي كان الدور الإيراني فعّال جداً، كونه يحصد على الأرض الفشل الوظيفي العربي، وأخطاء تركيا الأولى في الميدان، وأصبح الحصاد في النهاية، يتجه لصالح الروس والإيرانيين، غير أن أنقرة، قررت التحول في آخر لحظة، للتعامل مع هذا الصعود الإقليمي، لضمان حصتها، لصالح أمنها القومي الإقليمي، وبالفعل تحقق هذا الأمر، وأُخرج العرب من الملعب السوري الكبير كلياً، بعد فشلهم الذريع، وجنايتهم على الثورة.
هنا، وبعد ضمان تصفية الثورة السورية، وهو واقع كلي اليوم، وليس توقعاً مستقبلياً، بدأت حسابات الحلفاء، تتخذ موقع التنافس والصراع، وأضاف تحول التحالف الروسي الإيراني، كمحور قائم التأثير في المشرق العربي، إلى بعد مقلق للطرف المنتصر، على الثورة، دون أن يرفع الراية، وهو الغرب المركزي وتل أبيب.
والعقل الإسرائيلي، لا يُغفل حسابات هذا الانتصار، وتأثيراتها الإقليمية الكبرى عليه، فحالة سوريا مختلفة عن العراق، إذ إن إطلاق يد الإيرانيين في العراق، لم يكن ذا أهمية، بعد ضمان فكرة تدمير وحدة العراق، وجيشه الجديد، بعد معركة الفاو التاريخية، التي كانت آثارها أكبر على حلف شمال الأطلسي، من طهران التي هُزمت ميدانياً.
أما إطلاق يد الإيرانيين في سوريا، فكان لا بد له من تعامل فوري خاص، بعد هزيمة الثورة كلياً، واستثمار حرب الوعاظ الوهابيين الطائفية، التي توسعت عبرها ميلشيات إيران الشيعية، بأكبر بوابة تمكن ودعم عالمي، لمشروعها الإقليمي في سوريا الكبرى.
لكن ماذا بعد طرد وعاظ الوهابية، عبر المخابرات الراعية التي غيّرت ثوبها، أو بعد التعقب الميداني لشبابهم الحائر بعد خديعته، في الكماشة الغربية؟
هنا التفكير الإسرائيلي الأعمق، وصراعه الاستباقي مع الحليف الإيراني، في مواجهة الثورة، كان يقرأ بدقة معنى سقوط سوريا كلياً، في قبضة الذراع الإيرانية، وهو ذراع ذكية ظل العرب يلعنونه في العراق، حتى خضعوا لجسور اضطرارية مذلة مع ممثليه، ذات الممثلين الطائفيين في بغداد، فلم تولد في العراق، أي بنية سياسية مدنية بديلة، منفصلة عن العملية السياسية الطائفية.
وقد يكون لطبول الحرب التي يقرعها نتانياهو، ويدعمها ترامب، أثر واقعي على الأرض، أكبر من العمليات السابقة، غير أن المدخل الأساسي، في ظل مراجعة طهران للمشهد، يعتمد على العبور بين هاذين المسارين:
1 - قدرة طهران على استيعاب الدورات الأولى من التصعيد، واستنزافها للموقف المشتعل، وفي ذات الوقت فتح الأبواب، أمام التنسيق الأوروبي العماني المشترك القوي، لاحتواء الموقف وتحييد الحرب، ضمن الحوار السري، الذي سيكون ماكرون قريباً منه.
2 - إن موسكو أيضاً، لن تتدخل في الضربات الأولى، لكن لا يسعها السكوت الكلي، عن صراع الطرفين الإقليميين، فأحدهما محسوب عليها، وبالتالي الخط الساخن بين موسكو وتل أبيب، لا بد له من سقف يعتمده، ولم ولن تُقدم تل أبيب على هدم هذا التفاهم، فالروس ليسوا عرب المشرق، ولهم لعبتهم الخاصة.
وهناك مساحة ضغط كبيرة على النظام، في الشارع الإيراني فكرية وسياسية، لكن لو دققنا المشهد وشرحّناه، لوجدنا أن قوى التحرر المدني الإيــراني المعــارض، ســـواءً في الفكر الليبرالي أو اليساري الديمقراطي، فضلاً عن اليســـار الشيعي المختلــط بفلسفة الحكم، لم يُشعل الشارع في مثل هذه المواسم، التي تكررت من قبل، والتي تُدق فيها طبول الحرب، والمراقب المتصل بهذه المنطقة، يدرك معنى هذا الموقف، وتكرار حقيقته على الأرض.
وبالتالي نحن اليوم في أجواء مواجهة، ستتحول إلى اتفاق تسوية جديد، ستبقى عبره لعبة التوازن الإقليمي الدولي، ويبقى لعرب الخليج أحلام الوهم وتسديد الفواتير.
بقلم : مهنا الحبيل