+ A
A -
ترجمة - نورهان عباس
مثلما تطفئ المياه نار الحروب يمكن أن تشعلها.. فلا توجد دولة في العالم على استعداد للتضحية بمتر مكعب واحد من مياهها الإقليمية، حتى لو وصل الأمر لتحريك الجيوش وإقامة أكبر النزاعات والحروب، بسبب ندرة المياه وتسابق بعض الدول على إقامة السدود، من أجل تحقيق مكاسب معينة قد تضر سلبا بدول الجوار. والأسوأ من ذلك هو أن تلك الحروب تدوم أحياناً كثيراً لعشرات ومئات السنوات، وتظل قيادات وشعوب تلك الدول تتوارث حروب المياه فيما بينها في نزاع أبدي يحمل شعار «قطرة المياه أغلى من قطرة الدم».
وبحسب الدراسات التي صدرت من منظمات عالمية تعنى بشؤون المياه في دول العالم، هناك أزمة مياه عالمية تلوح في الأفق، بسبب التغيرات المناخية التي شهدها العالم مؤخرا، كالاحتباس الحراري والجفاف. وأوضحت الدراسات أن هناك العديد من الأنهار الرئيسية قد تجف خلال نصف قرن من الآن، ومع تصاعد عدد البشر ليصلوا إلى 9 مليارات في الـ50 عاماً المقبلة، فإن الأزمة سوف تتفاقم.
وبحلول عام 2030 سيعيش نصف سكان العالم في مناطق تعاني من شح المياه، منهم ما بين 75 مليونا إلى 250 مليون نسمة في إفريقيا وحدها، بالإضافة إلى أن شح المياه في المناطق الجافة وشبه الجافة سيؤدي إلى نزوح ما بين 24 مليون نسمة إلى 700 مليون نسمة.
وتتوقع دراسات منظمة الأمم المتحدة أن تعاني 30 دولة من ندرة المياه في 2025 مقارنة بـ 20 دولة فقط في 1990، و18 من هذه الدول في الشرق الأوسط وشمال افريقيا. من هذا المنطلق، ترصد «الوطن» قائمة بأهم حروب المياه القائمة والمتوقعة، والتي يمكن أن تغير خريطة العالم خلال العقد المقبل وما بعده، كالآتي:
الهند وباكستان..
نزاع مائي مشتعل
يقول الموقع الإلكتروني لشبكة الإذاعة الألمانية «دويتشة فيللا» إن أكبر الحروب المائية المتوقعة في القرن الـ21 هي الحرب بين الهند وباكستان، فإقليم كشمير الذي تتنازع باكستان والهند في السيادة عليه، يشهد سباقا محتدما على الموارد المائية. فقبل عدة سنوات بدأ البلدان كل من جانبه في بناء محطة لإنتاج الطاقة الكهربائية على المجرى المائي عينه، وهو نهر نيلم الشاسع المعروف الذي ينساب في إقليم كشمير. وبات هذان المشروعان الواقعان على جانبي خط السيطرة (الحدود الفاصلة بحكم الأمر الواقع بين البلدين في كشمير) في المراحل النهائية ما يؤجج التوترات في المنطقة.
ويقول عارف شاه وهو مهندس باكستاني يعمل في الموقع منذ ثماني سنوات لدويتشة فيللا: «نأمل الانتهاء قبل الهنود»، مقرا بأن الضغط الفعلي مصدره الحكومة التي تعهدت حل مشكلة انقطاع التيار الكهربائي التي تشل البلاد. ويضيف: «رؤية مشروع تاريخي يصل إلى ختام العمل فيه تمنحنا شعورا رائعاً». ويعمل أكثر من ستة آلاف عامل باكستاني وصيني في السد المستقبلي على طول 28 كيلومترا من الأنفاق تحت الأرض أو في المحطة نفسها المقامة تحت 400 متر من الصخور في قلب جبال هملايا. ومن المتوقع أن تنتج المحطة ما مجموعه 969 ميغاوات من الكهرباء.
وحسب صحيفة هندوستان تايمز، دارت ثلاث حروب حتى اليوم على خلفية النزاع في كشمير. وتشكل المياه مكونا جوهريا في النزاع مع تراجع الموارد من المياه العذبة والزيادة المطردة في عدد السكان.
ومؤخراً صرح رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بأنه لا يستبعد اتخاذ الهند تدابير مشابهة بعد هجوم في كشمير الهندية تم على يد متمردين باكستانيين في سبتمبر 2016. وقال مودي وقتها: «المياه لا يمكن أن تسيل مع الدم».
صراعات «الولايات غير المتحدة»
وبالرغم من أنه قليلاً ما يتحدث الإعلام عن الصراعات في الداخل الأميركي بين الولايات وبعضها، إلا أنه تحت السطح يوجد غليان حقيقي بسبب الخلافات على تقسيم مياه الأنهار، ففي الدولة الاقتصادية الأكبر، تشكل الأنهار عماد الصناعة وقد تتسبب في صعود أسهم ولاية وهبوط أخرى بسبب تلك الحصص غير المتساوية من مياه الأنهار.
وعن ذلك يقول موقع وابي الأميركي، إن الحرب المائية الأكبر التي وقعت داخل أميركا خلال العقدين الماضيين كانت بين ولايتي جورجيا وفلوريدا، ورغم أن الولايتين توصلتا إلى اتفاق في عام 2013 على تقسيم حصص المياه، إلا أن ذلك الاتفاق شهد انتكاسة، والآن تتصارع إدارتا الولايتين أمام المحكمة العليا في أميركا على حصص الماء.
ومن الصراعات الأخرى، التي تجري داخل الولايات - غير المتحدة - وخاصة في الوسط الغربى منها بما لم يعد من الممكن السكوت عليها، حيث دفعت أزمة المياه مجتمعات وصناعات، موجودة على طول نهر كولورادو إلى قتال بعضهم بعضًا على كميات الماء المتضائلة.
ومؤخراً، أقامت ولاية مونتانا دعوى قضائية ضد ولاية وايومنج لحصولها على حصة ماء أكثر من حصتها، ودفع النمو السكانى لكل من ولايتى نيفادا ويوتا إلى الدخول في خلاف شديد بشأن عدد خطوط الأنابيب المقترحة لكل منهما.
المنابع العربية.. أطماع إسرائيلية
ويمارس جيش الاحتلال الإسرائيلي واحدة من أسوأ عمليات وضع اليد العسكرية على مصادر المياه والأنهار، فالمياه كانت ولازالت من أهم العوامل التي نشأت بسببها الحروب بين العرب وإسرائيل، والعمليات العسكرية الإسرائيلية على الحدود السورية - اللبنانية عامى 1964 و1965 كانت بسبب الأطماع الإسرائيلية في مياه نهر الأردن ونهر بانياس ونهر اليرموك ونهر الحاصباني، كما كان تحويل مجرى نهر الأردن أحد أسباب حرب 1967، وعام 1982 شنت إسرائيل حملة عسكرية على لبنان من أهدافها أطماع إسرائيل في نهر الليطاني.
ويقول المحلل الاستراتيجي الدكتور زيشان خان في مقال بعنوان «حروب الماء المستقبلية» في صحيفة ديلي تايمز العالمية: «نحن نعلم قيمة الماء فقط حينما تجف الأنهار، وقتها تتحرك الجيوش لاستعادة تلك النقطة».
ويضيف خان عن مستقبل حروب المياه في الشرق الأوسط: «إسرائيل تشعر بكل قوتها الآن وهي تسعى لاختراق دول الشرق الأوسط وإفريقيا للسيطرة على منابع نهر الأردن، كما تبسط سيطرتها على الليطانى واليرموك».
الصين وأميركا..
حرب في الأعماق
يتصدر المشهد الآن أخبار الحرب التجارية المستعرة بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، ولكن ما لا يعرفه كثيرون حول العالم، أن تلك الحرب لها أصل مائي، فالاستفزاز الأميركي الأكبر للصين يتجدد يومياً مع محاولة واشنطن فرض السيطرة على مياه الصين من جبال الهمالايا، وتضييق الخناق على الشعب الصيني المياري، الذي لا يستطيع الاستغناء عن نقطة مياه واحدة من أنهاره.
وهناك مصدر استفزاز أميركي أكثر قدماً من أميركا للصين، فوجود القوات الأميركية في أفغانستان على الحدود مع الصين أعطاها فرصة أكبر وأكثر أهمية لمحاولات التضييق المائي على الصين، وكان ذلك التضييق، أحد أساليب الضغط على الصين من أجل السيطرة على الاقتصاد العالمي، لذلك فإن الحرب القادمة بين الدولتين هي حرب مياه مغلفة بصيغة تجارية ولكن بأسلوب ناعم.
مطلوب حماية نهر الأمازون
ومن الصين إلى الأوروغواي حيث تسيطر الولايات المتحدة أيضاً على منابع الأمازون من جهة الأوروغواي، وتحاول الحصول على أكبر قدر ممكن منها، عبر الإغلاق الجزئي للمنابع وتأليب القبائل التي تعيش في تلك المنطقة على الحكومة الأوروغويائية، التي نددت أكثر من مرة بالاستفزازات الأميركية في تلك المنطقة، مطالبة بحماية دولية لمنابع الأمازون وعدم تدخل الولايات المتحدة في الشؤون السياسية الخاصة بقبائل تلك المنطقة.
أنهار للإيجار
وبالرغم من أن الحل العسكري يكون غالباً الحل الأول البديهي، الذي يطرأ على تفكير الدول، التي تقع في نزاعات مائية مع جيرانها، إلا أن هناك بعض الدول التي استحدثت حلولا اقتصادية غير عسكرية لنزاعاتها المائية، ومن ذلك على سبيل المثال ما قالته مدونة «وول فير بلوج»، التي أشادت بما فعلته كل من ماليزيا وسنغافورة، حيث وقعت الدولتان اتفاقا مدته 99 عاماً، تحصل بموجبه سنغافورة على حصة مدفوعة من المياه العذبة من نهر جوهور. ويرى البعض أن سنغافورة إحدى البلدان الأسرع تطورا في العالم، لكن الصناعة والتجارة والثقافة في هذا البلد ستصاب بالشلل إذا لم تلب موارد المياه العذبة احتياجات السكان، لذا لا توفر الحكومة السنغافورية مجهوداً في سبيل تأمين المياه المطلوبة لنهضتها.
ختاماً، يؤكد الخبراء أن السلام العالمي مرهون بضمان حق الدول في الاستفادة من المياه. ولهذا، ربما يصبح الحفاظ على الإدارة السلسة للمياه بين الدول، والحيلولة دون تطور أي نزاعات، من التحديات الكبرى في العقود القليلة المقبلة.
copy short url   نسخ
06/02/2019
3456